للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عمه علي بن أبي طالب: (اذهب فانظر القوم، فإن جنَّبوا الخيلَ وركبوا الأبل فهم ناهضون إلى مكة، وإن ركبوا الخيل فهم عائدون إلى المدينة، فاتقوا الله واصبروا)، ووطَّنهم عليه السلام على القتال وشجعهم على لقاء العدو، فذهب عليٌّ رضي الله عنه فوجد القوم قد امتطوا الابل وجنَّبوا الخيل، فرجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فسُرَّ المسلمون وأمِنوا، فأصابهم النعاس وذهب عنهم القلق، وأما المنافقون فلم يُصدِّقوا لِما داخَلهم من الرعب ولما اشتملت عليه قلوبهم من الكفر، فلم يأخذهم نعاس (١).

وأيَّد بعضهم قول الجمهور بقوله: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: ١٥٣]، وهذا إنما بعد أن هُزموا وتفرقوا ورحل المشركون عن موطن الحرب.

وإذا ثبت القولان فكيف يُجمع بينهما؟

فأجاب بعضهم أن المصاف الذي أخبر به أبو طلحة كان في الجبل بعد الكسر، وأشرفَ عليهم أبو سفيان من على الجبل في الخيل المتكاثرة، فرماهم الرماة ومَن كان انحاز إلى الجبل بالحجارة، وأغنى عمر بن الخطاب غَناءً مشهورًا، فأنزلوهم عن مكانهم ذلك، ولم يبرحوا مكانهم ذلك حتى جاءهم خبر قريشٍ أنهم قد ارتحلوا فغشيهم من النعاس ما غشيهم، لحصول الأمن لهم، وأما المنافقون فبقوا خائفين على ما كانوا عليه، وهذا شأن الجبان" (٢).

• ترجيح السمين الحلبي ووجه الترجيح:

يختار السمين الحلبي أن الأمَنَة نزلت على المؤمنين لما كانوا على الجبل في نهاية المعركة، وأن ذلك لم يكن على ساحة المعركة في الأسفل، لأنه حكى الروايات عن أبي طلحة والزبير رضي الله عنهما وبيَّن أن ظاهرها يتعارض قول الجمهور، ثم حكى القول في الإجابة عن هذا الإشكال واقتصر عليه، فدل على أن هذا القول الذي يختاره وينفي به وقوع التعارض.

وهذا الاختيار في الحقيقة هو تفصيلٌ لقول الجمهور، فاختار السمين الحلبي القول الثاني الذي عليه الجمهور، ثم وجَّه القول الأول وجعله تابعًا لقول الجمهور.


(١) رواها الطبري في تفسيره (٦/ ١٦٠) بمعناه من قول السدي.
(٢) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٣٢ – ٤٣٣).

<<  <   >  >>