للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: طريقة السمين الحلبي في الموازنة بين الأقوال وترجيح بعضها على بعض]

يسلك السمين الحلبي طرقًا متعددة في الموازنة بين الأقوال وترجيح بعضها على بعض، بناءً على منهجه في تقوية الأقوال وتضعيفها، وقد ظهرت لي من خلال الاستقراء عدة معايير يَزِن بها الأقوال، ويُرجِّح بها بعض الأقوال على بعض، وهذه المعايير منها ما هو متصلٌ بالآية التي ذُكر فيها الخلاف، كظاهر الآية وسياقها ونظمها والمقصود منها والمخاطبين فيها، ومنها ما هو خارجٌ عنها كالآيات الأخرى التي في معناها والأحاديث النبوية وأسباب النزول والمسائل العقدية وقواعد اللغة العربية وشُهْرَة القول وكثرة من قال به.

ولا شك أن هذه المعايير بعضها أقوى من بعض، فإذا تعارضت هذه المعايير في نظرِه فإنه يُقدِّم ما هو أقوى عنده، كالمسائل العقدية في مذهبه مثلًا، فهو يُقدِّمها على ظاهر الآية، وكذلك سياق الآية، فإنه يُقدِّمه على شُهْرَة القول وكثرة من قال به.

أما أكثر المعايير التي يستخدمها في الموازنة، ويبادر إليها في المناقشة، فهي المعايير المتصلة بالآية، لأنها أول ما يظهر عند تأمل الآية، فكثيرًا ما يُرجِّح بالظاهر من الآية، وكثيرًا ما ينزع من سياق الآية ما يبرهن به على رجحان قوله.

وفيما يأتي التفصيل لجميع المعايير التي ظهرت لي بحسب كثرة استخدام السمين الحلبي لها فيما وقفت عليه في البحث:

أولًا: الترجيح بالظاهر من الآية:

أكثر ترجيحات السمين الحلبي التي وقفت عليها هي من هذا النوع، والترجيحُ بالظاهر أمرٌ شائعٌ بين المفسرين، لكن يحتاج إلى معرفة معنى الظاهر، وذِكْرِ ضابطِ الترجيح به، لأن الترجيح به قد يختلف من مفسِّرٍ إلى آخر، فالظاهر من معنى الآية عند مفسِّرٍ قد لا يكون متفِقًا مع الظاهر من معناها عند مفسِّرٍ آخر (١)، ومن شواهد هذا أن أبا حيان رجَّح أحد الأقوال بالظاهر، ثم تعقَّبه السمين الحلبي، ورجَّح القولَ الذي خلافه بأنه الظاهر (٢).


(١) ينظر في اختيارات ابن القيم وترجيحاته في التفسير للدكتور محمد بن عبد الله القحطاني (١/ ١١٠، ٦٧٦).
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٣٥ – ٣٣٦).

<<  <   >  >>