للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى الظاهر عند السمين الحلبي أنه المتبادر إلى الفهم (١)، بحيث لا يحتاج إلى تقديرٍ أو تأويلٍ (٢)، ومثاله عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [آل عمران: ١٤٣]، حيث قال: "والظاهر أن الرؤية هنا رؤيةُ البصر، ويؤيد ذلك قوله: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}، وعلى هذا فلا حاجة إلى حذف. وقيل: هي بمعنى العلم، فيتعدَّى إلى اثنين، فيحتاج إلى تقدير الثاني" (٣).

فدل على أنه يقدِّم القول الذي ليس فيه حذفٌ وتقديرٌ ويجعله هو الظاهر، وهذا من حيث العموم، وإلا فإنه قد يترك ما سلم من الحذف ويلجأ إلى التأويل وتقدير محذوف، ثم يجعل ذلك التأويل هو الظاهر (٤).

وإن كانت أقوال المسألة كلها فيها حذفٌ وتقديرٌ، فإنه يختار ما كان الحذف فيه أقل، ويجعله أظهر من غيره، ومثاله عند قوله تعالى: {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: ١٥٧]، حيث قال: "وقوله {لَمَغْفِرَةٌ} فيها وجهان: أظهرهما أنها مبتدأ … والثاني: أنها خبر مبتدأ مُضمَر … وهذا غير ظاهر، فالأول الوجيه، ولا بد في الأول من حذفٍ، وفي الثاني من حذفين" (٥).

والظاهر من الآية عنده ليس محصورًا في قولٍ واحد، بل قد يكون في الآية عدة أقوالٍ متقاربةٍ يحكم بأنها الظاهرةُ من الآية، كما في الأقوال التي ذكرها عند قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٥٦]، قال فيها: "وهذه أقوالٌ متقاربة، وقال الشيخ: «وكلها تخالف الظاهر، … » (٦) انتهى، وهو حسن إلا قوله أن الأقوال المتقدمة خلافُ


(١) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٤٣٧ - ٤٣٨)، حيث ختم المسألة بالإشارة إلى القول الأول وقال: "وهو المتبادر إلى الفهم كما قدمناه"، والذي قدَّمه في وصف القول الأول أنه الظاهر من الآية.
(٢) ينظر في منهج السمين الحلبي في التفسير في كتابه الدر المصون للدكتور عيسى بن ناصر الدريبي (ص: ٥٥٧).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٤٩).
(٤) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٣٥ – ٣٣٦).
(٥) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١٠٦)
(٦) البحر المحيط لأبي حيان (١/ ٤٠٣).

<<  <   >  >>