للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهر، بل هي ظاهر الآية، وإن كان بعضها أقرب من بعض" (١)، فتراه هنا خالف شيخه أبا حيان في قَصْرِ ظاهرِ الآية على قولٍ واحد، ولم يخالف القول الذي استظهره في الآية، بل حسَّنه، وأثبت أن جميع الأقوال هي ظاهر الآية أيضًا، لكن بعضها أقرب من بعض.

كما أنه قد يترك الذي يظهر عنده في الآية إذا عارضه ما هو أقوى منه، كما في قوله: "ظاهر الآية في قوله {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْأخِرَةِ} [آل عمران: ١٤٥] أنه يُقتصَر به عليه، ولا يُعطى من الدنيا شيئًا، غير أن هذا الظاهر متروك، لأن من أولئك من أتاه الله في الدنيا مالًا كثيرًا" (٢).

ومن هذا نستنبط أن قوله "والظاهر" لا يدل بمفرده على الترجيح إلا إذا كان متعلقًا بالقول نفسه على سبيل الحصر أو بصيغة التفضيل، كما تقدَّم في ألفاظ الترجيح (كأن يقول: وهذا هو القول الظاهر، أو وهذا أظهر الأقوال)، أما إذا جعل الظاهر متعلقًا بالآية أو بالخطاب أو بالسياق (كأن يقول: وظاهر الآية كذا وكذا) فإن هذا لا يقتضي الجزم بالترجيح، وإنما يدل على مجرَّد التقوية، وقد يأتي قولٌ آخر أقوى منه فيرجِّحُه عليه، كما في المثال السابق.

ثانيًا: الترجيح بسياق الآية:

قال العز بن عبد السلام: "السياق مُرشِدٌ إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات" (٣)، فالسياق له أهميته في ترجيح الأقوال المحتملة، ولذلك أخذ به السمين الحلبي في ترجيح الأقوال المُختلَف فيها، ومثاله في قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: ١٤٦]، في قراءة المبني للمفعول: {قُتِل} (٤) قال رحمه الله: "واختلف المفسرون في معنى هذه الآية: هل معناها أن الأنبياء قُتلوا، أم أنهم لم يقتلوا، بل قُتل الربيون الذين كانوا معهم؟

والمعنى الأول أليق بالسياق وبحال المخاطبين" (٥).


(١) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٧١ – ٤٧٣).
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٦٩).
(٣) الإمام في بيان أدلة الأحكام (ص: ١٥٩).
(٤) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، ينظر في النشر في القراءات العشر لابن الجزري (٢/ ٢٤٢).
(٥) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٧٣ - ٣٧٤).

<<  <   >  >>