للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويختم بعض المسائل بالترجيح بالسياق كقوله: "إلا أن السياق والقرائن يدل على المعنى الذي ذكره المفسرون" (١).

ويَستدِلُّ للمعنى الذي يرجِّحه بسياق الآية، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: ١٥٥]، قال رحمه الله: "واختلف الناس في هذا التولي؛ هل يوصف بكونه معصيةً أم لا؟

فالظاهر أنه معصية عفا الله عنها لأصحابها … ويدل على ذلك كونه سماه استزلالًا من الشيطان، وبقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}، والعفو إنما يكون -أو يوشك أن يكون- عن ذنب" (٢).

ومن الترجيح بالسياق رعاية المناسبات بين الآيات، ومثاله أنه ذكر المناسبة لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧]، وأن هذه الآية تكملة للسياق في الحديث عن اليهود ومخازيهم، ثم قال: "واختلف الناس في المراد بهذه الآية، والظاهر أنهم اليهود الذين كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه تنطبق المناسبة المذكورة" (٣).

ثالثًا: الترجيح بالنظر إلى انتظام الألفاظ في الآية:

يراعي السمين الحلبي انتظام الألفاظ والجُمل في الآية، ويحرص أن تكون المعاني متناسبة مع نظم القرآن الجليل الشريف، فتراه يستبعد المعاني التي تُخِلُّ بتسلسل الآية ولا تجعل للَّفظ بلاغةً في المكان الذي هو فيه، ويظهر هذا حين يكون النظم محتاجًا إلى تقدير المعنى، فإنه في هذه الحالة لا ينظر إلى المعنى المقدَّر فقط، بل ينظر كذلك إلى مواقع الألفاظ وتسلسل الجُمَل وترابطها، ومن ذلك قوله في أحد التقديرات التي فيها الربط بين الألفاظ البعيدة عن


(١) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٥٧).
(٢) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٥٨).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٣٥١).

<<  <   >  >>