للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مغفرةً ورحمة، فيكون التقدير: لَذلك مغفرةٌ ورحمة، وفي جعل المغفرة والرحمة هي الخبر على هذا التقدير تطمين للمؤمنين الميتين والمقتولين في سبيل الله، وتأكيدٌ بحصول المغفرة والرحمة لهم.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

ذكر السمين الحلبي أن القول الأول لا بد فيه من حذف، وأن القول الثاني لا بد فيه من حذفين، وهذا مبني على معرفة الحذفين ولزومهما للقول الثاني، وفيما يأتي بيانهما:

أما الحذف الأول في القول الثاني فهو المبتدأ المضمر، وهذا هو الحذف الذي زاد به القول الثاني على القول الأول.

وأما الحذف الثاني، وهو الحذف المشترك بين القولين، فهو المتعلق بالمغفرة والرحمة، وهو ما عُبِّر عنه بقوله (لكم) (١)؛ فيكون التقدير: (لمغفرةٌ من الله لكم ورحمةٌ من الله لكم).

وبالنظر في سبب هذا الحذف، فالذي يظهر أن وصفٌ للتخصيص المغفرة والرحمة في هذه الجملة الجديدة، لأنهما جاءا بصيغة التنكير، فلا بد من وصف يبين متعلقهما، فيربطهما بالجملة السابقة أولًا لأجل أن ينسجم الكلام، ثم بعد ذلك يُعرَف به محل المفاضلة والخيرية، من أن المغفرة والرحمة لكم أيها الذين (قُتلتم في سبيل الله أو متم) هي خيرٌ مما يجمع أهل الدنيا.

والذي يظهر أن وصف التخصيص هذا ليس لازمًا، لأن السياق يغني عنه، فإن قوله تعالى {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّم} اجتمع فيه قَسَم وشرط، فاللام دلت على وجود القسم، والشرطُ دل عليه حرف الشرط (إن)، والقاعدة أنه إذا اجتمع القسم والشرط ذُكر جواب الأول وأغنى عن الثاني، فقوله {لَمَغْفِرَةٌ} جواب القسم، وقد أغنى عن جواب (إن)، والتقدير في الأصل: (إن قتلتم في سبيل الله غفر الله لكم)، ثم أغنى عن هذا التقدير جواب القسم (٢)، وبهذا يتبين أن وجود الشرط في الآية يغني عن تخصيص المغفرة والرحمة؛ إذ هما في الأصل مرتبطان بمعنى الشرط، وهما في الظاهر جوابٌ عن القسم، فارتباطهما واختصاصهما بالجملة قبلهما من وجهين، وهذا يغني عن تقدير محذوفٍ يخصصهما.

كما أن المبتدأ المضمر في القول الثاني، وهو اسم الإشارة (ذلك)؛ يغني عن التخصيص،


(١) ذكر هذا الحذف أبو حيان في البحر المحيط (٣/ ٤٠٥)، وتبعه السمين الحلبي هنا وفي الدر المصون (٣/ ٤٥٧)، ووافقهم على ذلك الآلوسي في روح المعاني (٢/ ٣١٧)، فذكر قولهم ولم يتعقَّبه بشيء.
(٢) ينظر في البحر المديد لابن عجيبة (١/ ٤٢٥).

<<  <   >  >>