للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ترجيح السمين الحلبي ووجه الترجيح:

يرجِّح السمين الحلبي أن قوله تعالى {عِنْدَ رَبِّهِمْ} مجاز في رفع المنزلة وتقريب المكانة، ولم يحمله على الحقيقة أو يقدِّر فيه المحذوف، ويظهر هذا الترجيح من وجهين:

الأول: أنه قدَّم هذا القول واعتمده في تفسير الآية ثم ذكر القولين الآخرين، وما يقدِّمه ويعتمده أولًا هو الراجح عنده.

الثاني: أنه رد على القول الثاني بأن القرب حقيقي بأن ذلك مستحيل، ولم يستحسن القول الثالث بأن في الآية حذفًا، وذلك في قوله: (والتقدير الأول أبلغ من ادعاء حذف المضاف)، فذكر لفظ الترجيح (أبلغ) في الموازنة بين القول الأول والثالث، ونفى القول الثاني، فدل على ترجيحه للقول الأول (١).

• دراسة المسألة:

[١) مذاهب أهل العلم في المسألة]

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن حياة الشهداء حقيقية (٢)، والمخالف لذلك قليل لا يُعتد بقوله (٣).

وإذا كانت الحياة حقيقية عند الجمهور فتُحمل أقوالهم في القُرب أنه حقيقي إلا من نبَّه على خلاف ذلك، ونفى أن يكون القرب حقيقيًّا.

واتفق جمهور العلماء أيضًا على أن أرواح الشهداء في الجنة (٤)، وهذا إشارة إلى قُربهم من الله تعالى، فإن الجنة عنده سبحانه (٥).

وقد نبَّه بعض المفسرين على أن القُرب مجازي (٦)، ومن المفسرين مَنْ ادعى وجود الحذف في


(١) وقال السمين الحلبي في الدر المصون (٣/ ٤٨٣): «والمراد بالعندية المجاز عن قربهم بالتكرمة» ثم ذكر قول ابن عطية وقال: «ولا حاجة إليه، لأن الأول أليق».
(٢) ينظر في الهداية لمكي بن أبي طالب (١/ ٥١٧)، وفتح القدير للشوكاني (١/ ٤٥٧).
(٣) ينظر في روح المعاني للآلوسي (١/ ٤١٨)، وفتح البيان لصديق حسن خان (١/ ٣١٨).
(٤) ينظر في أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور لابن رجب (ص: ٩٧)، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (٢/ ٤٧).
(٥) ينظر في الروح لابن القيم (ص: ١٠٥ - ١٠٦).
(٦) ينظر في أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٣٣)، والكشاف للزمخشري (١/ ٤٣٩)، وتفسير الرازي (٩/ ٤٢٥) والبيضاوي (٢/ ٤٨)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤٢٩)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٣٤).

<<  <   >  >>