والآيات اللاحقة أصرح في تحديد المشركين {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا}، فالأنسب أن يكون المراد بالذين كفروا في الآيتين واحد.
كما أن قوله تعالى {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران: ١٥٠] يشير إلى ذلك؛ أي: فأطيعوا الله مولاكم ولا تطيعوا الذين كفروا فهو خير الناصرين، فسينصركم عليهم في ميادين القتال، ثم أشار إلى ذلك النصر وأنه النصر بالرعب.
وهذا لا يدل على إهمال ما ذكره المفسرون من أن الآية في المنافقين بسبب مقولتهم في الدعوة إلى الكفر، فإن المنافقين استغلوا الموقف في غزوة أُحد ودعوا إلى طاعة الكافرين المشركين وموالاتهم، فجاءت هذه الآية في الرد على المنافقين بالنهي عن طاعة الكافرين المشركين وموالاتهم.
وأما اليهود والنصارى فليس لهم ذكر في سياق هذه الآيات، وقد سبق التصريح بالنهي عن طاعتهم في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: ١٠٠]، ويحمل ما ذكره ابن جريح على أنه تعليقٌ على الآية واستشهاد بعمومها في النهي عن طاعة الكافرين، وهذا هو الظاهر من صنيع ابن أبي حاتم في تفسيره، فإنه اقتصر في قوله تعالى {إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُواْ} على رواية السدي في أنهم المشركون، ولم يذكر في ذلك وجهًا آخر، ثم جعل رواية ابن جريج تابعة للروايات في التعليق على قوله تعالى:{يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(١).
[٥) النتيجة]
الذين يظهر أن الخطاب في الآية يتوجه ابتداءً إلى المؤمنين في غزوة أُحد، وهو مقتضى أقوال المفسرين في تحديد الذين كفروا في الآية، واختلافهم في تحديد الذين كفروا لا يقضي بردِّ أقوالهم، بل يدل على اتفاقهم في أن الآية في شأن غزوة أُحد وما ورد فيها، ويكون اختلافهم بسبب تعدد الروايات في غزوة أُحد وما قيل فيها، والله أعلم.
(١) ينظر في تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٧٨٤ – ٧٨٥)، وينظر في التحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٢١ – ١٢٢).