للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ١٩٠]، وذلك لأن الاستدلال بخلق السماوات والأرض عمل قلبي، فهذا لا يمنع من القول بأن المراد ذكرُ اللسان، لأن ذلك الاستدلال أُشير إليه بلفظ التفكر في الآية، وبقي وصفهم الظاهر وهو الذكر باللسان، وهذا أبين في وصفهم؛ أن يكون الذكر بأمرٍ ظاهر عليهم، وهو الذكر باللسان، فتكون الآية قد بدأت في وصف أولي الألباب بالأمر العام الظاهر عليهم، وهو ذكرهم الله بألسنتهم في كل أحوالهم.

وأما القول بأن المراد بالذكر في الآية الصلاة فإنه لا يتناسب مع السياق (١)، فإن الآية سيقت في مدح أولي الألباب بذكرهم، والمناسب مع المدح أن يكون ذكرهم كثيرًا في كل الأحوال والهيئات، وأما إن قيل إن المراد بالذكر الصلاة، فإن ذكرهم سيكون في هيئة واحدة؛ إما قيامًا إن استطاعوا، أو قعودًا إن عجزوا عن القيام، أو على جنوبهم إن عجزوا عن القعود، وتلك رخصة من الله يقوم بها كل مسلم في صلاته، وليست حالًا يُمدح بها أهل الذكر، ويظهر البُعد أكثر في صلاة النافلة إذا كان المرء قادرًا على القيام وصلَّى قاعدًا، فإنه لا يمدح بذلك، ولذلك كان أجره على النصف من أجر القائم.

والقول بأن المراد بالذكر في الآية الذكرُ باللسان هو أعم من القول بأن المراد بالذكر الصلاة، فهو أحق بالمدح، ويدخل فيه الذكر في الصلاة، فالقول بالعموم أولى.

والمناسب في تفسير الهيئات المذكورة في الآية هو ما ذكره ابن جرير الطبري، بأنهم يذكرون الله قيامًا في حال الصلاة، وقعودًا في كل الأحوال التي يقعدون فيها؛ في الصلاة وغيرها، وعلى جنوبهم في حال سكونهم وارتياحهم (٢)، وبهذا القول يحصل العموم في كل الأحوال؛ في الصلاة وفي خارج الصلاة، وبيان ذلك أن القيام حال شغل، فالمناسب أن يُربط بالشغل الذي جاء به الشرع، وهو الصلاة، والقعود في الغالب حال فراغ، فالمناسب له العموم في كل قعود، والاضطجاع لا يُحمد إلا في حال الاستجمام والارتياح، فيُربط بهذه الحال، والله أعلم.

[٦) النتيجة]

الراجح أن المراد بالذكر في الآية ذكرُ الله باللسان، فإنه هو الظاهر المعهود في المراد بالذكر، وهو المناسب مع المدح في الآية؛ لأنه الوصف الذي يظهر على المرء، بخلاف ذكر القلب،


(١) ينظر في تفسير أبي السعود، وتبعه الآلوسي في روح المعاني (وقد تقدَّما)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٩٦).
(٢) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٣٠٩).

<<  <   >  >>