للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيجتمع المصدران في إفادة كونهما آياتٍ لأولي الألباب (١).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

يمكن أن يستدل للقول بأن لفظ (الخلق) في الآية أُريد به المخلوق بدليلين أيضًا:

الأول: الاستدلال بالكثرة والشهرة في اللغة، فكثيرًا ما يأتي المصدر في اللغة بمعنى المفعول (٢)، ومن أشهر الأمثلة في ذلك أن يأتي الخلق بمعنى المخلوق كما تقدم.

الثاني: الاستدلال بالمناسبة، فإن الله ذكر أن في هذا الخلق آيات، والآياتُ التي تُشاهد إنما هي في الأعيان والذوات التي هي المخلوقات، وليست في الحدث الذي هو الخلق (٣).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

الذي يظهر أن الأولى إبقاء المصدر على حاله خصوصًا أنه لم يأت ما يوجب صرفه عن ذلك، وهذا هو المتوافق مع القاعدة الترجيحية التي ذكرها السمين الحلبي كما تقدم.

وأما القول بأن الآيات المشاهدة هي المخلوقات، فإنه لا يُوجب صرف المصدر عن أصله، لأنه قد جاء العطف بعده بالمصدر الصريح، وهو (الاختلاف)، وهذا المصدر حَدَثٌ لا يُشاهد، وإنما تُشاهد آثاره، وكذلك يقال في المصدر قبله وهو (الخلق).

وأما الاستدلال بكثرة وشهرة استعمال لفظ (الخلق) بمعنى المخلوق فإن هذا لم يُخرِج لفظ (الخلق) عن مصدريته، بل استعماله في اللغة بمعنى المصدر حقيقةٌ لم تُهجر، وإنما جعله بمعنى المفعول هو المجاز (٤)، فإذا كانت الحقيقة باقية فالأولى البقاء عليها حتى يأتي ما يُوجب الصرف عنها.

والسياق يشير إلى أن (الخلق) مصدر كما ذكر السمين الحلبي، وأيضًا، فإن هذا هو المتناسب في إضافة {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى لفظ (الخلق)، فتكون الإضافة هنا أقوى، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، بخلاف القول بأن الخلق بمعنى المخلوق فإن الإضافة في تلك الحالة لن تكون قوية؛ إذ السماوات والأرض مخلوقة أضيفت إلى مخلوق، ولو كان المراد المخلوقات من السماوات والأرض وحدها لجاء الحديث عنها مباشرة دون الحاجة إلى إضافتها


(١) وينظر أيضًا في حاشية القونوي على تفسير البيضاوي (٦/ ٤٤٥).
(٢) ينظر في شرح المفصل لابن يعيش (١/ ٦٣)، وشرح الشافية للرضي (٢/ ٣٤٧)، وحاشية الصبان (٢/ ٤٧٨).
(٣) ينظر في تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه للشيخ محمد علي طه الدرة (٢/ ٣٤٣).
(٤) ينظر في حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك (١/ ٣٢).

<<  <   >  >>