[المطلب الثالث: بيان ما يدخل في الترجيح وما لا يدخل فيه]
ومِن شرح التعريف السابق الذي توصَّلتُ إليه (بيان فضل قولٍ في التفسير على ما يقابله بذكر ما يقوِّيه أو يضعِّف ما عداه) يمكن تبيين ما يدخل في الترجيح وما هو خارجٌ عنه، وذلك بتحليل الكلمات على النحو الآتي:
١) معنى "بيان فضل قولٍ في التفسير"
يدخل فيه مطلق التفضيل، سواء مع تضعيف الأقوال الأخرى أو تصويبها، وعلى هذا فالترجيح يدخل فيه الاختيار الذي عُرِّف بأنه الميل إلى أحد الأقوال في تفسير الآية مع تصحيح بقية الأقوال. فبين الترجيح والاختيار عمومٌ وخصوصٌ، فكل اختيارٍ ترجيحٌ لا العكس، لأن الترجيح يشمل الاختيار وغيره (١).
ويدخل في هذا أيضًا مطلق الأقوال المتعلقة بالتفسير، سواء كانت تفسيرًا مباشرًا للآية، أو كانت في إعراب القرآن أو بلاغته أو نحو ذلك من علوم القرآن، إذا ظهر لها أثر في معنى الآية وتفسيرها، وسواء كان تفسيرًا تفصيليًا لآيةٍ واحدةٍ أو إجماليًا لعدة آيات.
٢) معنى "على ما يقابله"
أي: على جميع الأقوال التي تقاربه وتوافقه في الآية، ففيه بيان أن مجرَّد تفضيل القول من غير موازنته ببقية الأقوال لا يسمى ترجيحًا، فلو كان في الآية أربعة أقوال، ثم جرت الموازنة بين القول الثاني والقول الثالث، وفضَّل المفسِّر القولَ الثاني على الثالث، فإن هذا التفضيل لا يُعَدُّ ترجيحًا في تفسير الآية، لأنه لم يتبيَّن فضل القول الثالث على الأول والرابع.
والمراد بالمقابلة التقارب في القوة كما سبق بيانه، ومنه يُعلَم أن العبرة في الترجيح هو تقابل الأقوال في القوة، سواء كانت متشابهةً في المعنى أو مختلفة، فالأقوال المتشابهة في المعنى -وإن أمكن الجمع بينها- إذا اختار المفسر منها قولًا وفضلَّه على البقية، فإن هذا يسمى ترجيحًا.
٣) معنى "بذكر ما يقوِّيه أو يضعِّف ما عداه"
هذا فيه بيان ما يكون به الترجيح، فإما أن يكون بذكر ما يقوي القولَ في التفسير أو
(١) ينظر في منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين الأقوال التفسيرية للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٧٨).