للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وراء المسلمين كان له أجر مَنْ خلفه ممن صام وصلَّى» " (١).

ولو كانت المرابطة غير ممكنة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناسب أن يأمرهم الله بذلك في قوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، ولما ناسب ذكر الأحاديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى تقدير أنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رباط، فلا يمنع ذلك من الأمر به والترغيب فيه في الآيات والأحاديث (٢).

وأما تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: (فذلكم الرباط)، فيمكن أن يرجع إلى التشبيه بمرابطة الجهاد، فجعل المواظبة على الصلاة والمحافظة على أوقاتها كرباط المجاهد، وعلى هذا فيكون معنى الحديث تابعًا لمعنى الآية، أو أنه جعل ذلك كالرباط الذي يربط به المؤمن نفسه عن المعاصي (٣).

فالحديث محمولٌ على التشبيه، وليس محمولًا على حقيقته، فالأولى حمل معنى الآية على المعاني الظاهرة للمرابطة في الآيات والأحاديث وليس على هذا الحديث (٤).

وحتى إن قيل إن معنى المرابطة في الآية هو المداومة فإن أولى ما تتعلق به المداومة في الآية هي المداومة على القتال في سبيل الله، لأن سياق السورة فيما سبق يشير إلى هذا المعنى.

[٥) النتيجة]

الراجح أن المرابطة في الآية هي من المداومة على الجهاد في سبيل الله، وهذا هو المناسب للسياق واللغة والأحاديث التي في معنى المرابطة.

قال السمين الحلبي رحمه الله: "وقد خُتمت هذه السورة بهذه الوصية العظيمة، لاشتمالها على السعادة الدنيوية بالظهور على العدو، الذي هو نتيجة الصبر والمصابرة والمرابطة، والدينية بنيل الفوز بالنعيم، الذي هو نتيجة التقوى. جعلنا الله بكرمه ممن جمع هذه الخصال فحصل له الفلاح، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وسلم" (٥).


(١) فتح القدير للشوكاني (١/ ٤٧٦)، والحديث في المعجم الأوسط للطبراني (٨/ ٩٠/ ٨٠٥٩).
(٢) ينظر في فتح الباري لابن حجر (٦/ ٨٦).
(٣) ينظر في غريب الحديث للخطابي (١/ ٢٨٤ - ٢٨٥).
(٤) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٣٣٧).
(٥) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٤٦٧).

<<  <   >  >>