المسألة الثالثة: وجه (ما) في قول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}
• أصل الخلاف في المسألة:
هل يليق بكلام الله أن يكون فيه لفظ زائد؟ هذه المسألة من آثار هذه القضية.
• نص المسألة:
قال السمين الحلبي رحمه الله: "واختلف الناس في (ما) من قوله {فَبِمَا رَحْمَةٍ} على أوجه:
أحدها، وهو قول أكثر النحويين والمفسرين: أنها زائدةٌ للتأكيد، كما قدمناه في عبارة الزمخشري وغيره.
والثاني: أنها نكرةٌ تامة لا موصوفة ولا موصولة، وعزاه مكي لابن كيسان، وجعل {رَحْمَةٍ} بدلًا منها، ونقله أبو البقاء عن الأخفش، فتكَوَّنَ إبهامٌ ثم تفسيرٌ بالبدل، والأصل: فبشيءٍ رحمةٍ.
والثالث: أنها نكرة موصوفة بـ (رحمة)، كقولهم: مررت بما مُعجبٍ لك؛ أي: بشيءٍ معجب.
والرابع وهو أغربها: أنها استفهامية، وإليه ذهب الإمام فخر الدين؛ قال: «ذهب المحققون إلى أن دخول اللفظ المهمل في كلام أحكم الحاكمين غير جائز، وهنا يجوز أن تكون (ما) استفهامًا للتعجب، تقديره: فبأي رحمةٍ من الله لنت لهم، وذلك لأن جنايتهم لمَّا كانت عظيمة، ثم إنه ما أظهر البتة تغليظًا في القول ولا خشونةً في الكلام؛ عَلِموا أن هذا لا يتأتَّى إلا بتأييدٍ ربَّاني قبل ذلك» (١).
وأنحى عليه الشيخ فقال: «وما قاله المحققون صحيح، لكن زيادة (ما) للتوكيد في أماكِنه لا ينكره من له أدنى تعلق بالعربية، فضلًا عمَّن يتعاطى علم التفسير في كلام الله، وليس (ما) في هذا المكان مما يتوهمه أحدٌ مهملًا، فلا يحتاج ذلك إلى تأويلها بأن تكون استفهامًا