للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنا متعديةٌ إلى واحد، لأنه لا يراد هنا النسبة، إنما المراد تعلُّق العلم بالمفردات" (١)؛ أي: الأعيان والذوات، فالأصل في (عَلِم) أن يُراد بها إفادة النسبة بين شيئين، فلذلك تتعدى إلى مفعولين، وتفيد نسبة أحدهما إلى الآخر واتصافه به، فقولك (علمتُ زيدًا قائمًا) يفيد اتصاف زيد بالقيام، فإذا لم يكن المراد إفادة النسبة بين شيئين وكان المراد معرفة ذات الشيء وعينه فإن (عَلِم) تتعدى إلى مفعول واحد (٢).

ويظهر من كلام السمين الحلبي أن هذا المعنى المشترك بين العلم والمعرفة اللذان يكتفى فيهما بمفعول واحد (وهو إرادة الأعيان والذوات) لا يليق بالله عز وجل، فإنه أشار إليه في سياق الاعتراض على القول الآخر كما سبق ذكره (٣)، وقد أشار إلى هذا المعنى من قبله السهيلي، وعلل ذلك بأن علم الله عز وجل واحد لا يتغير بتغير المعلومات، فيتعلق بالأشياء كلها تعلُّقا واحدًا، ولا يتغير فيتعلق بعينٍ معينة، ويتعلق بعينٍ أخرى، بل يعلم الأشياء كلها بعلم واحد (٤)، وقد ردَّ عليه ابن القيم في هذا وذكر أن أهل التحقيق على خلاف هذا القول، وأن المعلومات متغايرة، وأن لكل معلومٍ علم يخصُّه (٥).

فالذي يظهر أن الاعتراض الذي ذكره السمين الحلبي لا يَرِد في هذه المسألة، وإنما يَرِد إذا وُصف الله بأنه عارف (بلفظ المعرفة وليس بلفظ العلم)، فهنا يقال: لا يجوز أن يوصف الله بالمعرفة (٦)؛ هذا من حيث الوصف، أما الإخبار عن الله بأنه يعرف فهذا أوسع؛ إذ يدخل في باب الإخبار عن الله ما لا يدخل في باب الأسماء والصفات (٧)، ولذلك روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في بعض الذي أصيبوا في الغزو ولم يُعرفوا: «لكن الله يعرفهم» (٨).

ويمكن أن يتقوَّى القول الذي ذكره السمين الحلبي باعتبار الأصل في فعل (عَلِم) أنه يتعدى إلى اثنين، كما أشار إليه في قوله: (أنها على بابها فتتعدى لاثنين)، وهذا مبني على القاعدة


(١) البحر المحيط (٦/ ٣٥٦).
(٢) ينظر في منثور الفوائد لأبي البركات الأنباري (ص: ٤٤)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (١/ ٥٦٤).
(٣) ينظر في الدر المصون (٥/ ٦٣٠).
(٤) ينظر في نتائج الفكر في النحو (ص: ٢٦١).
(٥) ينظر في بدائع الفوائد (٢/ ٦٢).
(٦) ينظر في شرح ألفية ابن مالك للشيخ العثيمين (٢/ ١٥٩).
(٧) ينظر في بدائع الفوائد لابن القيم (١/ ١٦١).
(٨) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٢٠٨/ ١٩٣٥٦)، والبيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٧٩/ ١٧٩٢٩).

<<  <   >  >>