للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحدٍ بلفظٍ واحدٍ يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه" (١)، فيبعد أن يكون معنى (عَلِم) التي تتعدى إلى مفعول واحد مطابقًا لمعنى (عرف) في اللغة، وأبعد منه أن يكون ذلك في القرآن.

ولأجل هذا ردَّ صديق حسن خان على السمين الحلبي، وبيَّن أنه ليس في الآية إطلاق اسم العارف على الله تعالى، وإنما فيها إطلاق اسم العلم وإن كان بمعنى العرفان، كما تقدَّم.

وأيضًا فقد ذكر السيوطي وغيره هذا المعنى عندما تطرَّق إلى ما يُذكر عند الإعراب من أن العلم قد يكون بمعنى المعرفة، فذكر أن الله تعالى لا يوصف بالمعرفة لشيوعها فيما يكون مسبوقًا بالجهل، ثم قال: "وليس العلم الذي بمعنى المعرفة كذلك، إذ المراد به الإدراك الذي لا يتعدى إلى مفعولين" (٢).

بقي أن يُشار إلى القدر المشترك بين العلم والمعرفة اللذان يُكتفى فيهما بمفعولٍ واحد، وهل هذا القدر المشترك يتضمن معنًى لا يليق بالله عز وجل. فيقال: إن الأصل في فعل (عَلِم) أنه يتعدى إلى مفعولين، وهو في هذه الحالة باقٍ على معناه الأصلي، فالمعنى الذي أخرجه عن هذا الأصل وجعله مشابهًا لفعل (عرف) في التعدي إلى مفعول واحد هو القدر المشترك بينهما، وهو ما أشار إليه الواحدي في تفسير الآية التي نحن فيها، فقال: "والعلمُ إذا لم يتعلق بالذات اقتضى معلومين، كما تقول: (علمت زيدًا عاقلًا وجوادا)، فلا تقول: (علمت زيدًا) فقط، إلا أن تريد به عرفتُه، وعَلِمتُ مَنْ هو.

والمفعول الثاني ههنا محذوف، والتقدير: وليعلم الله الذين آمنوا مميزين بالإيمان من غيرهم …

ويحتمل أن يكون العلم ههنا بمعنى معرفة الذات، والتأويل: وليعلم الله الذين آمنوا بما يظهر من صبرهم على جهاد عدوهم؛ أي: ليعرفهم بأعيانهم" (٣)، فالذي يظهر أن المعنى المشترك بين العلم والمعرفة اللذان يكتفى فيهما بمفعول واحد هو إرادة الأعيان والذوات، وهو المعنى الفارق بين (عَلِم) التي تتعدى إلى مفعول واحد و (عَلِم) التي تتعدى إلى مفعولين، كما أشار إلى ذلك أبو حيان عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى} [الرعد: ٨]، فقال: "و {يَعْلَمُ}


(١) ينظر في كتاب مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية (ص: ١٧).
(٢) ينظر في تفسير البيضاوي (١/ ١١١) وحاشية السيوطي عليه (٢/ ٣٣٧)، وينظر أيضًا في السراج المنير للشربيني (١/ ١٠٠)، وفي روح البيان لإسماعيل حقي (١/ ٢٤٩).
(٣) التفسير البسيط (٦/ ١٢ - ١٣).

<<  <   >  >>