للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألةٍ أخرى حكى القولَ الأول وقال: "وبهذا بدأ الزمخشري" (١)، ولم يظهر في الكشاف ترجيحٌ في هذه المسألة (٢)، لكن تقديم القول إشارة إلى ذلك، كما نبَّه إليه السمين الحلبي في عبارته.

والذي يظهر أن يُراعى هذا الأمر مع السمين الحلبي كذلك، فإذا لم يظهر منه ترجيح لأحد الأقوال في المسألة، فإن تقديمه للقول قرينةٌ على الترجيح، لكن لا يُعتمد عليها وحدها، لأنه في بعض الأحيان يُرجِّح القول الثاني أو الأخير، فلا بد لها من قرينةٍ أخرى تعضدها، ومثال ذلك في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٩١]؛ قال رحمه الله: "واختلف الناس في هذه الآية أيضًا بالنسبة إلى العموم في الأحوال والأمكنة، والمشهور أن ذلك مخصوص عند القاضي حاجته، لا سيما في الكنف المُعدَّة لذلك، ومذهبُ الشافعي أن ذِكْرَ الله في ذلك المكان وفي هذه الحالة حرام … وممن أخذ بظاهر الآية وعمومها: عبد الله بن عمرو وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين؛ يجوز أن يُذْكَر الله حتى في هذه الحالة وهذا المكان" (٣)، فتراه هنا قدَّم القول بالتخصيص، ووصفه بأنه المشهور وذكر مذهب إمامه الشافعي الموافق لهذا القول، ثم ذكر القول الآخر ولم يذكر ما يقويه، فدل على ترجيحه للقول الأول.

ثالثًا: وصف صاحب القول بما يدل على قوة قوله أو ضعفه:

لأن الإشادة بصاحب القول في سياق إيراد قوله تدل على استحسان قوله والميل إليه، ومن ذلك أنه اكتفى في أحد المسائل بنقل قولين في معنى الآية: قول الزمخشري، وقول الشيخ أبي حيان في الاستدراك عليه، ثم ختم المسألة بقوله: "وهذا الذي قاله الشيخ وإن كان رجح اللفظ نقيضه، إلا أن السياق والقرائن يدل على المعنى الذي ذكره المفسرون" (٤)، فتراه هنا يشيد بقول الزمخشري، ويجعل قوله هو قول المفسرين.

وفي مقابل ذلك فإن استغراب القول من قائله أثناء إيراد قوله يدل على تضعيف ذلك


(١) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٢٤)
(٢) ينظر في الكشاف (١/ ٤٢٧).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٣٨١ - ٣٨٣)
(٤) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٥٧).

<<  <   >  >>