للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واردٌ في كثير من الأدعية النبوية التي تكون الجُمل فيها متقاربة في المعنى، لكن تختص كل جملةٍ منها بشيءٍ مبالغةً في التضرع والانطراح بين يدي الله، وهو أحسن من القول بأن هذا من باب التأكيد والإلحاح في الدعاء، فإنه لو أُريد مجرد التأكيد لأمكن أن يكون بتكرار اللفظ نفسه، كما في تكرار لفظ الاستغفار.

وهذا التفريق قد دل عليه استعمال الشرع لألفاظ المغفرة والتكفير والذنوب والسيئات:

أما الذنوب والسيئات فقد ثبت اختصاص لفظ السيئات بالصغائر، كما تقدَّم في قوله: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، وإن كانت السيئات قد تستعمل فيما هو أعم من ذلك، لكن هذا التخصيص له اعتبار، وكذلك ثبت اعتبار وجود الكبائر في الذنوب، كما أشارت إليه الآيات في مؤاخذة الكافرين بذنوبهم، نحو قوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} [الأنعام: ٦، والأنفال: ٥٤]، وقوله: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١١، الأنفال: ٥٢، غافر: ٢١]، وذلك لا يكون بمجرد الصغائر.

وأما المغفرة والتكفير فقد جاء التكفير مختصًا بالصغائر، كما تقدَّم في الحديث، وكما في الكفَّارة، وجاءت المغفرة مع الكبائر التي تحتاج إلى توبة، ولأجل هذا اقترنت المغفرة بالتوبة في كثيرٍ من آيات القرآن، كقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: ٨٢]، وكقوله تعالى: {فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: ٣٩]، ونحوه من الآيات التي يُذكر فيها اسم الله (الغفور) بعد ذكر التوبة، وكقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: ١٦]، وقد أشار قوله تعالى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: ٦] إلى أن المغفرة يمكن أن تحصل بفضل الله ورحمته لا بسبب الطاعة كما في التكفير والكفَّارة.

وهذا الاستعمال يدل على التفريق بين هذه الألفاظ في الشرع، وإن كان بينها تقارب في اللغة.

وفوق ذلك فقد اختص لفظ الذنوب بالغفران من دون التكفير، كما في قوله {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ

<<  <   >  >>