للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تفسيره بعد أن ساق الآيات كلها: "نزلت هذه الآيات في ذي القعدة بذي الحليفة حين انصرفوا عن طلب أبي سفيان وأصحابه بعد قتال أُحد" (١).

وهذا الذي ذكره مقاتل يؤيد أن الآيات كلها نزلت في شأن غزوة حمراء الأسد، وذلك لأن غزوة أُحد كانت في منتصف شوال (٢)، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم الغد إلى حمراء الأسد، فأقام فيها ثلاثة أيامٍ ثم عاد منها إلى المدينة (٣)، فيُحتمل أن تكون الآيات نزلت بعد ذلك بأيام في شهر ذي القعدة، وأما غزوة بدر الموعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليها في شعبان على الصحيح من السَّنَة التي تليها (٤)، ومن القواعد في الترجيح أنه (إذا ثبت تاريخ نزول الآية أو السورة فهو مرجِّح لما وافقه من أوجه التفسير) (٥).

وأما الفضل في قوله تعالى: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}، فالأنسب له أن يكون عامًّا من غير تخصيص، وذلك لأنه نكرة في سياق الامتنان، والنكرات في سياق الامتنان تعُم؛ ذكره السمين الحلبي (٦).

وأما ما ذكر من أن الفضل هو الربح في التجارة فقد اختلفت الروايات في تحديد وجه ذلك الربح وليست تتعين أن يكون الربح من غزوة بدر الموعد (٧)، وباعتبار ما ذكره ابن عباس من أن التجار كانوا يقدمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة، فإن الأقرب أن كان الربح في سوق بدر أن يكون بعد غزوة حمراء الأسد، فإنها قبله بأيامٍ من شهر شوال، بخلاف غزوة بدر الموعد التي قبله بشهرين أو أكثر.

وسياق الآيات من أولها ظاهرٌ أنه في غزوة حمراء الأسد كما ذكر السمين الحلبي، وذلك لأجل ما فيها من الإشارة إلى الإصابة بالجراح في قوله: {مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}،


(١) تفسير مقاتل (١/ ٣١٧)، وكأنه اعتمد على رواية ابن عباس السابقة في تحديد وقت نزول الآيات.
(٢) روى ذلك الطبري في تفسيره (٦/ ٢٤٠) عن عكرمة، وينظر في سيرة ابن هشام (٢/ ١٠٠ - ١٠١).
(٣) جاء ذلك فيما رواه الطبري في تفسيره (٦/ ٢٤١، ٢٤٣) عن رجل من أصحاب رسول الله، وعن ابن جريج.
(٤) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٢٥٢)،، وسيرة ابن هشام (٢/ ٢٠٩)، والبداية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٠٢).
(٥) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٢٥٨ - ٢٦٠).
(٦) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٢٧٠).
(٧) تقدَّم عزو الروايات، أما رواية ابن عباس فليس فيها تعيين، ورواية سعيد بن جبير: (بفضلٍ أصابوه من سوق عكاظ)، وذكر مقاتل في تفسيره (١/ ٣١٦) أنهم (أصابوا سريَّةً في الصفراء، وذلك في ذي القعدة)، والله أعلم.

<<  <   >  >>