للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيان شأن المسلمين في غزوة أُحد: "الواقع أنهم صاروا ثلاث فرق: فرقةٌ استمروا في الهزيمة إلى قُرْبِ المدينة، فما رجعوا حتى انفضَّ القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}، وفرقةٌ صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قُتل فصار غاية الواحد منهم أن يَذُبَّ عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئًا فشيئًا لما عرفوا أنه حي" (١).

وبهذا يتبيَّن أن أكثر الصحابة رجعوا وأنه يمكن أن يصدُق عليهم أنهم تحيزوا إلى فئة، لأنهم في نهاية الأمر رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه، وأنهم لا يلامون في هذه الحالة في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد أُشيع مقتله، فلما تبين لهم أنه صلى الله عليه وسلم حيٌّ رجعوا إليه واجتمعوا معه.

وأما الذين لم يرجعوا فيمكن أن يكون لهم عذرٌ يبيح فعلهم، وهو التخفيف المذكور في قوله: {الْئَانَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ} الآية، وأن الكفار حينئذٍ كانوا أكثر من الضعف، وهذا أمرٌ واقع معلوم لكن العذر فيه هنا محتمل، لأن هذا التخفيف قيل أنه قد جاء بعد مدة طويلة من النهي وذلك بعد أن كثُر المسلمون (٢)، وقد قيل أنه نزل بعد غزوة بدر على التعيين (٣)، والله أعلم.

ويمكن أن يكون لهم أعذارٌ أخرى تُقال من قِبل الظن، ولا يُظن بهم إلا الخير، لكن الشأن في تلك الأعذار؛ هل هي تُبيح فعلهم أو أنها تخفف من حجم الذنب؟

بالرجوع إلى أصل المسألة (هل التولي في الآية معصية؟) يمكن أن يجاب عن ذلك بأن المعصية هي أمرٌ من الأمور المتعلقة بحق الله عز وجل، وقد دل كلامه سبحانه في سياق هذه الآية على أنهم أذنبوا، وذلك لأن السياق فيه لومٌ ومعاتبة كما أشار إليه قوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ}، وأن الزلة تشير إلى الخطأ واستزلال الشيطان يدل على المعصية، وأن ذكر العفو


(١) فتح الباري (٧/ ٣٦٢).
(٢) روي ذلك عن ابن عباس كما في تفسير الطبري (١١/ ٢٦٦)، والمعجم الكبير للطبراني (١١/ ٢٥٣)، وقد ذكر الواحدي أنه قول المفسرين كما في التفسير البسيط (١٠/ ٢٤٤).
(٣) روي ذلك عن سعيد بن جبير كما في تفسير ابن أبي حاتم (٥/ ١٧٢٩).

<<  <   >  >>