للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيها: (لا يخرج معنا أحدٌ إلا من حضر يومنا بالأمس)؛ يعني من حضر غزوة أُحد، والمنافقون لم يحضروها، بل ذُكر أن رأس المنافقين عبد الله بن أُبي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج معه إلى حمراء الأسد فرفض النبي صلى الله عليه وسلم (١) وهذا دليل من حيث الواقع أن المنافقين ليس لهم شأن في هذه الآيات (٢).

وإنما يأتي احتمال ذكر المنافقين مع قوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}، بأن من كان مؤمنًا فإنه يخاف الله وحده، ومن كان منافقًا فإنه يخاف منهم.

وإن كان الظاهر من قوله {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أنه يُوقع الخوف في أولياءه، لكن هذا لا يتناسب مع الواقع الذي نزلت فيه الآيات، وكذلك إن قيل أن الأحسن مع فعل التخويف هو أن يُحذف المفعول الثاني لا الأول، فإن هذا غير مناسب أيضًا، لأنه معلومٌ أن الشيطان يخوِّف الناس كلهم ولا يقتصر تخويفه على أولياءه كما يفهم من أداة القصر في الآية، فإنه يخوِّف المؤمنين أيضًا، كما قال الله في خطابه للمؤمنين: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة: ٢٦٨]، فإذا كان تخويفه مطلقًا على كل الناس فإن الأنسب أن يذكر المفعول الثاني وهو الأمر الذي يخوِّف الشيطان به، ويحذف المفعول الأول لأنه غير مقصود (٣).

وأما الاستدلال بسياق الآيات على أن المؤمنين لم يخافوا وإنما ازدادوا إيمانًا فغير ظاهر لأنه لا يلزم من تخويف الشيطان للمؤمنين أنهم جبنوا وخافوا، وبمثل هذا يجاب عن قوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ}، بأن الآية هنا لا تحكي تخويفًا وتسلطًا قد فاز به الشيطان، وإنما تذكر عادة الشيطان أنه يخوف المؤمنين من أوليائه، وأن المؤمنين الذين نزلت فيهم الآية لم يخافوا مما خوَّفهم به.

وأيضًا فإن الظاهر في قوله تعالى {فَلَا تَخَافُوهُمْ} أنه خطابٌ للمؤمنين وإرشادٌ لهم،


(١) تقدمت رواية ذلك عن الطبري في تفسيره (٦/ ٢٤٠)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (١١/ ٢٢٠).
(٢) ذكر مقاتل في تفسيره (١/ ٣١٧) أن المنافقين أرادوا تخذيل المؤمنين عن الخروج؛ قال: (فأوقع الشيطان قولَ المنافقين في قلوب المؤمنين، فأنزل الله عز وجل: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} يعني: يخوفهم بكثرة أوليائه من المشركين، فلا تخافوهم وخافون في ترك أمري إن كنتم مؤمنين)، وظاهرٌ من قول مقاتل وتفسيره للآية أن المراد تخويف المؤمنين.
(٣) ينظر في مجموع الفتاوى لابن تيمية (١/ ٥٦).

<<  <   >  >>