للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ} فيه إشارة إلى مقتل نبيهم بذكر المصيبة التي نزلت فيهم، وقراءةُ {قُتل} تبيِّن أن المصيبة هي مقتل نبيهم، وليس الاستدلال بسبب النزول على أنه يتعين منه أن يذكر قتل نبيٍّ في هذه الآية بالتحديد، لكن الاستدلال بسبب النزول هو في تعيين المقتول الذي لم يُذكر في قراءة {وكأين من نبي قُتل معه ربيون}، ثم إنه قد جاءت الإشارة إلى قتل النبي في آية أخرى في سياق الآيات التي نزلت وهي قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (١).

وأما الاستدلال بقراءة (قُتِّل) وما فيها من التكثير الذي يدل على أن الفعل واقعٌ على الربيين، فقد ضعَّف السمين الحلبي الاستدلال بهذه القراءة من وجهين (٢):

الأول: أن قوله تعالى قبل ذلك {وَكَأَيِّن} هو بمنزلة (كم) في الدلالة على التكثير، فلفظ {نَّبِيٍّ} وإن كان مفردًا فهو في معنى الجمع (٣).

والثاني: أن التشديد للمبالغة، نحو: ذبَّحت الكبش.

الاعتراض الثاني: ما ذكره الحسن وابن جبير بأنه لم يُسمع عن نبيٍّ أنه قُتل في حرب، وما ذكره أهل العلم بأن الآية تقتضي التكثير، كما دل عليه قوله: {وَكَأَيِّن}، فلو كان قتل الأنبياء كثيرًا لاشتهر وأمكن سماعه، وأيضًا فلو كان معنى الآية أن الأنبياء قتلوا فإن قوله {مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} يقتضي أن كل واحد من هؤلاء الأنبياء جاهد معه عدد كبير، وهذا لا يُعرَف (٤).

ويمكن الجواب عن هذا كله بأن عدم السماع والشهرة لا يدل على نفي الأمر، بل قد أخبر الله نبيه أن من الأنبياء من لم يصله نبأهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ


(١) وقد ذكر الواحدي في أسباب النزول (ص: ١٢٥) هذه الآية من ضمن الآيات التي نزلت في السبب المذكور.
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٨٣ - ٣٨٤).
(٣) ورُدَّ بأن {نبي} مفردٌ لفظًا ومعنًى بدليل عود الضمير المفرد في {معه}؛ ينظر في المحتسب لابن جني (١/ ١٧٣)، والمحرر الوجيز لابن عطية (١/ ٥٢٠)، وحاشية الشهاب على البيضاوي (٣/ ٦٩)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٢٩٦)، وأضواء البيان للشنقيطي (١/ ٢١٢)، وهذا الرد غير مُلزِم؛ ينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٧١).
(٤) أشار إليه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١/ ٥٩)، وقد تقدم بيان القول الذي يرجحه في مجموع اختياراته.

<<  <   >  >>