للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: ٧٨] (١)، وأما القول بأنه لا يُعلم عن نبيٍّ أنه قاتل معه عدد كبير، فهذا يُردُّ عليه بنص الآية في قراءة (قاتَل)؛ قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، فإن الآية تدل على أنه قد قاتل مع الأنبياء جموع كثيرة.

الاعتراض الثالث: أن سياق الآية في الاحتجاج على الصحابة ومعاتبتهم بها على ما كان منهم يوم أُحد بعدما أُشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، والآية لا تكون حجة على الصحابة إذا كان المراد بها أن الأنبياء قُتلوا وبقي من بعدهم ربيون كثيرٌ لم يقتلوا، فيقول الصحابة: إنهم لم يَهِنوا لما أصابهم لأنهم كثير، وكثرتهم تقتضي قوتهم، أما نحن فقليلٌ عددنا (٢).

ويمكن الجواب عنه بأن الاحتجاج بالآية في معاتبة الصحابة رضي الله عنهم هو من وجه ذكر المَثَل بأن الذين ثبتوا بعد مقتل الأنبياء السابقين كثير وجعل هذا في مقابل القِلَّة التي ثبتت بعدما أُشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد بالتكثير مقابلةُ عدد الجنود بين الصحابة ومن قبلهم.

الاعتراض الرابع: ما ثبت من غَلَبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الله تعالى قال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: ٢١]، والمقتول ليس بغالب كما قال تعالى: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ} [النساء: ٧٤]، فجعلهم قسمين؛ مقتولٌ وغالب، ولا يجتمع القسمان في ذاتٍ واحدة بأن تكون مقتولة وغالبة في نفس الوقت، وعليه فإن النبي لا يُقتل في حرب لأنه لا يُغلب (٣).

ويمكن الجواب عنه بأن قوله تعالى {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيما} لا يقتضي أن يكون معنى القتل ومعنى الغلبة كالضدين بحيث لا يمكن اجتماعهما في ذاتٍ واحدة، بل هو في ذكر المآل للأحوال التي يكون عليها الأجر في القتال، فالذي يقاتل في سبيل الله مأجور سواء الذي قُتل واستشهد والذي انتصر وغَلَب، وهذا التقسيم متعلق بالآيات التي قبله في الرد على المنافقين لمَّا فرَّقوا بين الأمرين ورغبوا أن


(١) أشار إليه رشيد رضا في تفسير المنار (٤/ ١٤١).
(٢) أشار إليه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١/ ٥٩).
(٣) ينظر في أضواء البيان للشنقيطي (١/ ٢١٠ - ٢١١).

<<  <   >  >>