للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في المذهب بحيث يُضلَّل فيها المخالف، أما المسائل الفرعية المختلف فيها في المذهب نفسه، أو التي قال بها أحدُ أئمةِ المذهب فليست من ذلك، فالترجيح فيها واردٌ، لأن الأقوال حينئذٍ تكون متكافئةً في القوة بالنظر إلى الخلاف في المسألة أو بالنظر إلى مكانة مَنْ قال بها، ومثال ذلك الترجيحِ هنا ما ذكره السمين الحلبي عند قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: ١٤٠]، حيث قال: "وجُوِّز في (عَلِم) أن تكون متعديةً لواحد، فقال الشيخ: «و (عَلِم) ظاهرهُ التعَدي إلى واحد، فتكون بمعنى (عَرَف)» (١) انتهى. وهذا ينبغي ألَّا يجوز، لأنه العرفان لا يجوز إسناده إلى الله تعالى … والظاهر أنها المتعدية لاثنين؛ حُذف ثانيهما للعلم به" (٢).

فهنا يظهر أن الخلاف بين التلميذ وشيخه أبي حيان، وأبو حيان أحدُ أئمةِ المذهب الأشعري الذي عليه المصنف، فصار الترجيح هنا بالنظر إلى المسائل الاعتقادية.

عاشرًا: الترجيح بقواعد الإعراب:

يهتم السمين الحلبي بالقواعد النحوية التي تضبط الإعراب، والأصولِ التي جرى عليها العربُ في طريقة كلامهم، ويستخدم تلك القواعد والأصول في تقويم الأقوال الواردة في إعراب الآية، فيُورِد الإشكالات على الأقوال المخالفة ويردُّها: "إن أعربوا {نُّعَاسا} [آل عمران: ١٥٤] بدلًا أو عطف بيان أشكل قولهم من وجهين:

أحدهما: أن النحاة نصوا على …

والثاني: أن المعروف في لغة العرب …

وإن أعربوا {نُّعَاسا} مفعولًا لأجله لزم الفصل بين الصفة والموصوف …

فالأحسن حينئذ أن تكون هذه الجملة استئنافية" (٣)، ويظهر هنا أنه يستبعد الأقوال التي فيها إشكال، ثم يأخذ بالقول الذي لا إشكال فيه، ومثاله أيضًا قوله: "وهذا الوجه أحسن للتخلص من تكلفة الإشكال في الوجه قبله" (٤).


(١) البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٥٤).
(٢) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٣٥ – ٣٣٦).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٣٥ – ٤٣٧)
(٤) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٣٧١).

<<  <   >  >>