للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه نارًا) (١) "، فلم يكتفِ بحديثٍ واحد، وإنما ذكر عدة أحاديث برواياتها، ثم تعرَّض للأقوال الأخرى وسَرَدها بإيجازٍ من غير أن يقوي شيئًا منها (٢)، فالسنة إذا تبيَّنت لزِم التمسُّك بها.

ثامنًا: الترجيح بأسباب النزول وما يحتف بها:

يَستدِل السمين الحلبي بسبب نزول الآية على القول الذي يرجِّحه، فإن أسباب النزول أصلٌ من أصول التفسير، ومن أمثلة ذلك قوله رحمه الله: "وما قدَّمناه هو الظاهر، ويدل عليه ما ذكرنا من سبب النزول" (٣).

وإذا ثبت سبب النزول فإنه ينظر إلى واقعه وما يحتفُّ به من الأحداث فيرجِّح من خلال ذلك، ومثاله عند قوله تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٦٥]، قال: "واختلف الناس أيضًا فيمن خُوطِب بهذا الكلام، والظاهر أنهم المؤمنون الخُلَّص، وعليه ينطبق ما قدَّمناه من أقوال المفسرين.

وذهب الماتريدي إلى أن الخطاب للمنافقين، وكان الإمام فخر الدين تبعه في ذلك … وفيه نظر لأن المنافقين يوم أُحد انخزلوا مع كبيرهم رأس النفاق عبد الله بن أُبي، ولم يصبهم انهزام ولا قتل" (٤)، فلما كانت الآيات نازلة في غزوة أُحد نَظَر في واقع تلك الغزوة وما حدث فيها فاستدل به على القول الذي يرجحه.

تاسعًا: الترجيح بالنظر إلى المسائل الاعتقادية:

تقدَّم الكلام عن موطن الترجيح، وأن ردَّ الأقوال لا يُقصد به الترجيح دائمًا، بل في بعض مسائل الاعتقاد يكون ذلك لأجل تقرير المذهب الاعتقادي بحيث لا يُتصوَّر الترجيح والموازنة بين الأقوال، لأن القول المعتمد قد تقرَّر من قبل، فلا يُنظر إلى ما خالفه إلا على سبيل الرد والإفحام، ولتوضيح هذا الأمر هنا فإن المراد بتلك المسائل الاعتقادية الأصولُ المتفق عليها


(١) رواه البخاري (٥/ ١٣٨/ ٤٢٣٤) ومسلم (١/ ١٠٨/ ١١٥) في صحيحيهما من حديث أبي هريرة.
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١٤٤ - ١٤٧).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٤) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (١٧٦ - ١٧٧).

<<  <   >  >>