للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادسًا: الترجيح بالنظر إلى آية أخرى مشابهة:

والأصل في هذا قول الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر: ٢٣]، فالقرآن يشبه بعضه بعضًا ويُصَدِّق بعضه بعضًا، فإذا اختلفت الأقوال في آية نُظِر إلى الآية المشابهة لها، فإنها ترشد إلى القول الصحيح، ومن أمثلة ذلك عند السمين الحلبي ما ذكره في قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [آل عمران: ١٧٦]، فرجَّح أن المراد بها العموم في كل من يسارع في الكفر من غير تحديد طائفةٍ معيَّنة، وشبَّهها بالآية الأخرى في عمومها: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: ٤١] (١).

سابعًا: الترجيح بالسنة النبوية:

لأن السنة تفسِّر القرآن وتبيِّنه وتوَضِّحه، فالأحاديث خيرُ دليلٍ يُستدَل به، وأقوى مُرجِّحٍ يُؤخَذ به، ومن أمثلة ذلك عند السمين الحلبي ما ذكره عند قوله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١]، حيث قال رحمه الله: "وظاهر القرآن أنه يجيء به بعينه، ويدل له ما في الحديث: (جاء يوم القيامة يحمله على عنقه) (٢)، وروي: (ألا لا أعْرِفن أحدكم يوم القيامة يأتي ببعيرٍ له رغاءٌ، وببقرةٍ لها خوارٌ، وبشاةٍ لها ثغاء، فينادي: يا محمد، يا محمد؛ لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلَّغتُك) (٣)، وروى البخاري ومسلم: (لا ألفِيَن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، فيقول: يا رسول الله؛ أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد أبلغتك) (٤)، وفي بعض الأحاديث: (وبفرسٍ له حَمْحَمَة) (٥)، وقد غلَّ غلامٌ اسمه مِدعَم يومَ خيبر شَملَةً من المغنم، فقال عليه السلام: (والذي نفسي بيده؛ إنها لتشتعل


(١) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٢٨٣ - ٢٨٤).
(٢) رواه البخاري (٨/ ١٣٠/ ٦٦٣٦) ومسلم (٣/ ١٤٦٣/ ١٨٣٢) في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي
(٣) رواه البخاري (٩/ ٢٨/ ٦٩٧٩) في صحيحه بنحوه من حديث أبي حميد الساعدي.
(٤) رواه البخاري (٤/ ٧٤/ ٣٠٧٣) ومسلم (٣/ ١٤٦٣/ ١٨٣٢) في صحيحيهما من حديث أبي هريرة.
(٥) في الحديث السابق، ومعنى الحَمْحَمَة: صوت الفرس دون الصهيل؛ ينظر في النهاية لابن الأثير (١/ ٤٣٦).

<<  <   >  >>