للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}، وظاهرٌ أن (الأمر) في هذه المواضع الثلاثة هو في معنى واحد، ولا يستقيم أن يكون معنى الأمر فيها مختلف من موضع إلى آخر، لأن هذه المواضع يتبع بعضها بعضًا، وهي في سياق واحد (١).

وقد ذكر الزمخشري أنه إذا كان المراد بالاستفهام الاستخبار فإن معنى الأمر النصرُ والغلبة، وإذا كان الاستفهام للنفي فإن معنى الأمر التدبير (٢)، فيكون المعنى على الأول: (هل لنا من الغلبة شيء)، (قل إن الغلبة كلها لله ولأوليائه أو إن الغلبة والنصرة بيد الله {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٢٦])، (يقولون لو كان لنا من الغلبة شيء كما تزعمون لما قُتلنا هاهنا)، ويشهد لهذا الأخير قول الربيع بن أنس: "لو كُنَّا على شيءٍ من الأمر ما قتلنا هاهنا" (٣)، ويكون قصدهم بذلك الطعن في الدين، لكن لو كان هذا مقصدهم لكان مرادهم بالاستفهام النفي وليس الاستخبار، وهذا المعنى قريبٌ من المعنى الذي ذكره ابن فورك والمهدوي، وقد جعلا المراد بالاستفهام النفي، وذلك في قولهم: (لسنا على الأمر الحق، ولو كُنَّا عليه لما غلبنا عدونا) (٤)، فلو كان المراد بالأمر الغلبة أو النصر أو الدين الحق لكان الأقرب أن الاستفهام للنفي.

وأما إذا كان المراد بالأمر التدبير فيكون المعنى على النحو الآتي: (ليس لنا من التدبير شيء)، (قل إن التدبير كله لله وبيده القضاء والتقدير)، (يقولون لو كان لنا من التدبير شيء ما قتلنا هاهنا)، ويكون قولهم هذا على وجه الاعتراض على القدر، وهذا يتناسب أكثر مع الجواب عليهم بعد ذلك: {قُل لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}، فإن فيه البيان بأن قدر الله نافذٌ في كل الأحوال، ويشهد لهذا المعنى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، قال: "يعني القدر خيره وشره من الله تعالى" (٥).


(١) وذكر الطيبي في حاشيته على الكشاف (٤/ ٣٠٨) مقتضى هذا أن المعرَّف إذا أُعيد في الجواب لم يكن غير الأول.
(٢) ينظر في الكشاف (١/ ٤٢٨ – ٤٢٩).
(٣) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٩٥).
(٤) ذكر معنى قولهما ابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٥٢٨) وهو الذي رد عليهما.
(٥) ذكره الثعلبي في تفسيره (٩/ ٣٤٥)، والبغوي بمعناه في تفسيره (١/ ٥٢٥).

<<  <   >  >>