للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الظهر يكون بعد العجز عن القعود (١).

وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنه روي بلفظ: (المريض يصلي قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فمضطجعًا) (٢)، وهو بهذا اللفظ يُحمل على أنه الاضطجاع على الجنب وليس على القفا، لأن ذلك هو المعهود في اللغة (٣)، ولأنه جاء بيانه في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

وبهذا يتبين أن الحديثين يتبعان حديث عمران بن حصين، فهما حجة للقول بأن الاضطجاع على الجنب هو المقدَّم بعد العجز عن القعود (٤).

واعترض بعض أهل العلم على حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بأنه حالة مخصوصة، فإن عمران بن حصين ذكر في الحديث أنه كانت به بواسير فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فأرشده إلى أن يصلي قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب؛ قالوا: فأرشده النبي أن يصلي على جنبه لأنه لا يمكنه أن يستلقي على قفاه بسبب ما به من البواسير (٥)، ويمكن الجواب عنه بأمور:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بجواب عام يشمل حالته وحالة غيره من المرضى، فذكر له القيام في أول الأمر، وليست علة البواسير على ما فيها من الأذى بمانعةٍ من القيام (٦).

الثاني: أنه قد ذكر أهل العلم أن النسائي روى الحديث عن عمران بن حصين، وزاد: (فإن لم تستطع فمستلقيًا؛ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]) (٧)، فأرشده النبي


(١) ذكره الزيلعي في نصب الراية (٢/ ١٧٧).
(٢) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين (٣/ ٥٣٨) ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (٣/ ٨٣/ ٢١٢٧)، وذكر أنه غير محفوظ بذلك الإسناد، وإنما المحفوظ هو الموقوف عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد تقدم عزوه.
(٣) قال الأزهري في تهذيب اللغة (١/ ٢١٧): "إذا قالوا: صلَّى مضطجعًا، فمعناه أن يضطجع على شقه الأيمن".
(٤) وبذلك استدل البيهقي في كتابه الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه (٣/ ٨٢ - ٨٤).
(٥) ينظر في المبسوط للسرخسي (١/ ٢١٣)، وفتح القدير لابن الهمام (٢/ ٤).
(٦) ينظر في فتح الباري لابن حجر (٢/ ٥٨٨).
(٧) ذكر الزيادة ابن قدامة في المغني (٢/ ١٠٦) والمجد ابن تيمية في المنتقى (ص: ٢٨٤) والزيلعي في نصب الراية (٢/ ١٧٥) وابن الملقن في البدر المنير (٣/ ٥١٩) وابن حجر في التلخيص الحبير (٢/ ٦٣٦) والعيني في البناية (٢/ ٦٣٦)، ولم أقف عليها في كتب النسائي، وعزاها النفراوي أيضًا في الفواكه الدواني (١/ ٢٤٢) إلى ابن صخر.

<<  <   >  >>