للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أخرج الأعمال عن مسمى الإيمان لم يكن قوله تامًا في المسألة، فإنه بذلك ينفي وجوهًا من أوجه زيادة الإيمان ونقصانه، وكذلك مَنْ حصر زيادة الإيمان ونقصانه في وجه معين، ومنع الأوجه الأخرى، وينتج من ذلك الغلط في تفسير الآيات والأحاديث التي تدل على زيادة الإيمان ونقصانه، فإنه يخصص الزيادة والنقصان بذلك الوجه، وقد لا يكون منطبقًا على الآية والحديث، وقد نبَّه على ذلك ابن عطية في تفسير الآية التي نحن فيها، فذكر أن قوله تعالى {فَزَادَهُمْ إِيمَانا} لا يتصور أن يكون من جهة الأدلة (١)، فلا ينبغي تخصيص الزيادة بهذا الوجه.

وأما ما نقله السمين الحلبي عن الجويني في الإرشاد من أن زيادة الإيمان هي ثبوته وتواليه في نفس الرجل الصالح، ونقصانه هو عدم تواليه عند الرجل الفاسق، فهذا تأويل للزيادة والنقصان، وصرفٌ لها عن ظاهرها، وقد علل ذلك بأن الإيمان عَرَضٌ لا يَثبُت زمانين؛ فإذا كان في زمنٍ فإنه لا يبقى إلى الزمن الذي يليه إلا بتعاقبه وتواليه، فالإيمان لا يبقى في نفس المؤمن على مرِّ الزمن إلا بأن يتجدد في نفسه، فهذا التجدد والثبوت على الإيمان هو الزيادة، فإذا لم يتجدد ويتوالى في نفسه فذلك النقصان، والجواب عنه من وجهين:

الأول: من جهة الزيادة، فإنه على هذا القول تكون الزيادة غير حقيقة؛ إذ ليس فيها إضافة، وإنما هي باعتبار ثبوت الإيمان وحضوره في الأزمان، وقد تقدم بيان أن الزيادة حقيقة وفيها إضافة، كما قال تعالى: {لِيَزْدَادُواْ إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}.

الثاني: من جهة النقص، فإنه على هذا القول يكون النقص غير ظاهر، فإن الإيمان إذا لم يثبت زمانين، ولم يتجدد، فإنه يزول ولا ينقص، فكيف يعبَّر عنه بالنقصان؟!

وأما مَنْ نفى أن الإيمان يزيد وينقص بسبب أنه التصديق القلبي الذي لا يقبل زيادةً ولا نقصًا، فالجواب عنه من وجهين:

الأول: "أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق، فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة، وذلك لأن التصديق إنما يَعرِض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق" (٢)، فحصر الإيمان بأنه مجرد التصديق غلط.


(١) ينظر في المحرر الوجيز (١/ ٥٤٣).
(٢) الصارم المسلول لابن تيمية (ص: ٥١٩).

<<  <   >  >>