للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين، وهو المذكور في سبب نزول الآية (١)، وأما القول الثاني فالمصيبة فيه إما أن تكون مطلق القتل من غير تعيين، وهذا لا يناسب، فإنها لا تكون مصيبة إلا بالتعيين، وإما أن تكون الهزيمة، وهذا يتناسب أكثر مع تعجُّبهم وقولهم {أَنَّى هَذَا}، لكن مقتل السبعين أبلغ في المصيبة نفسها.

ثانيًا: المِثلان في الآية، فجعلُ المِثلَين كلاهما في غزوة بدرٍ وتفصيلهما كما في القول الأول أبلغُ في تعيين النعمة وتحديد موضع المِنَّة، وهو أبلغ في التخفيف عن المسلمين عمَّا أصابهم في غزوة أُحد، فإنه كلما كانت النعمة أعظم كان التخفيف أكبر، ولا يُشكل عليه أن السياق في غزوة أُحد، لأن الفعل قد جاء بصيغة المضي: {أَصَبْتُم}، وأما القول الثاني فإن المِثل الأول فيه في غزوة بدرٍ ليس فيه تفصيل، فهو إما قتلٌ وإما هزيمة، والمِثل الثاني الذي في غزوة أُحد هو أمرٌ كان في أولها ثم لم تكتمل الفرحة به، وهذا مما يضعف المثلين.

ثالثًا: المطابقة بين المثل والمُمَثَّل له، وهي ظاهرةٌ في القول الأول، فمقتل سبعين من المسلمين مثله مقتل سبعين من المشركين، ومثله أيضًا أسرُ سبعين آخرين، ولا يُشكل على هذا ما حكاه ابن عطية من أن الأسرى فُدُوا، فلا مماثلة بين حالهم وبين قَتَلِ سبعين من المؤمنين، لأن المماثلة هنا من جهة الإصابة والنيل من الخصم، والأسر يُعتبَرُ رزيةً من رزايا الحرب، وفيه إذلالٌ وإضعافٌ للخصم، لأن الأسير يكون تحت حكم مَنْ أسره؛ إن شاء حبسه أو قتله أو أخذ مقابله المال الذي يريده، وإن شاء أطلقه من غير مقابل، فيكون له الفضل والمِنَّة عليه بين الناس، فالأسر في كل الأحوال نقصٌ في جانب الخصم، فإن لم يكن نقصًا حقيقيًا بالقتل فهو نقصٌ معنوي (٢)، ولعله لأجل هذا والله أعلم قال الله: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا}، ففيه التنبيه على نوعين متشابهين؛ قتلٌ وأسر، ولو كان المراد نوعًا واحدًا تكون به المقابلة لما احتيج إلى ذكر المماثلة، فيمكن أن يقال: قد أصبتم ضعفها.

وأما المطابقة في القول الثاني فليست ظاهرة من حيث التثنية في قوله: {مِّثْلَيْهَا}، فإن


(١) ينظر في أسباب النزول للواحدي (ص: ١٢٧ - ١٢٨)، والعجاب في بيان الأسباب لابن حجر (٢/ ٧٨٠ - ٧٨٣)، والصحيح المسند من أسباب النزول للشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ص: ٥٣ - ٥٤).
(٢) ينظر في تفسير القرطبي (٤/ ٢٦٤)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٢٧)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٦١)، وتفسير سورة آل عمران للعثيمين (٢/ ٤١٢)، وحاشية القونوي على تفسير البيضاوي (٦/ ٣٩٣).

<<  <   >  >>