للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظهورهم ولم يرعوا حقَّ الكتاب، وحاشاهم أن يكونوا كذلك، وإنما الآية فيمن قبلهم من الذين أوتوا الكتاب.

ولا يعني هذا أن علماء هذه الأمة لا يشملهم حكم الآية إذا نبذوا الميثاق، بل يكون حكمهم كحكم من قبلهم إذا كانوا مثلهم، كما بيَّنه السمين الحلبي، فيكون لفظ الآية أُريد به من قبلنا، ثم تكون موعظة الآية لنا، كما كان عمر رضي الله عنه إذا تلا {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٤٠، ٤٧، ١٢٢] قال: "مضى القوم، وإنما يعني به أنتم" (١)، أي إننا نحن المعنيون بالموعظة، وليس مراده أننا نحن المرادون بلفظ (بني إسرائيل).

وأما القول بأن المراد بالذين أوتوا الكتاب عند الإطلاق هم اليهود والنصارى، فإنه لا يمنع من تخصيص اليهود بالآية، والموجب للتخصيص أمران:

الأول: أن هذا هو المعهود من اليهود من كتمان ما في الكتاب وأنهم يشترون بذلك ثمنًا قليلا مع جحدهم للميثاق الذي أُخذ عليهم، ويشهد لهذا الآية التي في سورة الأعراف، وهي في اليهود، فجاء فيها أنهم يشترون بالكتاب ثمنًا قليلا، وذلك في قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}، وجاء فيها ذكر الميثاق الذي أُخذ عليهم، وذلك في قوله: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف: ١٦٩]، فهذا الميثاق الذي أُخذ على اليهود جاء بيانه في الآية التي نحن فيها، والتصريح بأنهم نبذوه وراء ظهورهم (٢)، وجاء في آية أخرى بيان النبذ الذي كان منهم، وذلك في قوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠١] (٣)، وهذه الآية في اليهود أيضًا، فالآية التي نحن فيها في اليهود، فإن كان المعهود في القرآن أن {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} هم اليهود والنصارى، فإن


(١) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ١٠٤)، وفي الدر المنثور (١/ ١٦٥، ٢٧٣) عزوه إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.
(٢) ذكره الشنقيطي في أضواء البيان (٢/ ٤٢)، وبيَّن الطبري في تفسيره (١٠/ ٥٣٥) أن الآية في اليهود.
(٣) ينظر في بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٦/ ٣١٧ - ٣١٨).

<<  <   >  >>