لما كان البحث متعلقا بعناية المسلمين بوجوه الإعجاز كان إيراد ما عدَّ منها ضَرُورِيَّ الذكر وإن لم يلزم قبولها كلها، ومهما يكن من شيء فإن كثيرا من العلماء أثروا الدراسات القرآنية برؤاهم الفاحصة في وجوه الإعجاز، يتفرسون في كل وجه ما تستنطق منه أمارات الفوارق الواضحة بين كلام الله وكلام البشر، أو يوجهون نحو النصوص ما يلائم احتمالها وجها يقال إنه وجهُ إعجاز.
وجدير بالذكر أن ما يتعلق بالإعجاز من هذه الوجوه لا يباينُ بَيْنَ قدرةِ الله وقدرةِ الخَلْق وبين علمه تعالى وعلمهم، وبين إرادته وإرادتهم، ولكن تساق هذه الوجوه لتسجيل التباين التام بين كلام الله تعالى وبين كلام البشر، بغض النظر عما يحمله الكلام من موضوع. فالقرآن معجز من حيث إنه كلام.
ومع هذا. فهؤلاء بعض الذين أماطوا اللثام عن رؤية وجوه الإعجاز حسب ما عنَّ لهم منها، وإن كان البعض قد قَصَرَهَا على النظم اعتقاداً فقد زاد عليه سردا وإيرادا.
ومن جملة من عُنُوا بجمع وجوه الإعجاز وبيانها الشيخ السيوطي في "معتركه" حيث حوى مؤَلَّفه خمسةً وثلاثين وجها، هي بحق أكثر ما أحصى كتاب مما شاء الله اطِّلاَعِي عليه من مؤلفات في هذا الشأن، ولهذا آثرت الابتداء به، لاستغراقه جُلَّ ما ورد في غيره من الوجوه.
ومعترك الأقران يَضُم هذه الوجوه متناولا إياها بالتحليل والتمثيل والبيان، وما يتعلق بكل منها من سائر ما عرض له المتقدمون، وهذه الوجوه هي: