يستخدم الناس كلمة علم اللغة من غير إضافة صفة كاشفة، فإنهم يعنون غالبا علم اللغة الوصفي أو التركيبي. وإن علم اللغة الوصفي ليشكل، بل ويجب أن يشكل الأساس للدراسات اللغوية، وإن كانت هناك خطورة إعطائه أهمية أكثر من اللازم. وإن الإسهام الكبير الذي قدمه علم اللغة الوصفي ليتمثل أساسا في النواحي الصوتية والفونيمية التي تعد أكثر فروع اللغة موضوعية، وأقربها إلى المناهج العلمية، والمقاييس الدقيقة. أما في مجال الصرف والنحو فهناك قدر كبير من الشك حول ما إذا كان في مقدور المنهج الوصفي ومصطلحاته تقديم مزايا أكبر من تلك التي قدمها سابقه المنهج التاريخي, وحينما نأتي إلى مجال المفردات نجد علماء اللغة الوصفيين يخلون الطريق لزملائهم التاريخيين، وهو ما ينطبق كذلك على مجال الدراسة الاشتقاقية. أما فيما يخص علم المعنى فإن المفردات تذهب لتنضم للمورفيمات وللنحو لتشكل جميعا الدستور الذي يميز الاستعمالات الصحيحة من الخاطئة.
وربما كانت غلبة الدراسة النظرية -من ناحية- والتعصب لفرع واحد من فروع العلم أثناء دراسة المشاكل اللغوية -من ناحية أخرى- هما التهديد الصريح لعنصر الانسجام في عالم الدراسات اللغوية، مما يوشك أن يعوق تقدم هذه الدراسات, ومن وجهة النظر الوصفية البحتة فإن علماء اللغة الوصفيين على حق في اعتبارهم كل اللغة واللغات على قدر واحد من المساواة, ولكن هناك ثلاث وجهات نظر أخرى، لا بد من أخذها في الاعتبار، وكلها مبنية على الحقيقة والواقع، وهي قائمة على أساس العوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية, فمن وجهة نظر عالم اللغة التاريخي لا يمكن وضع اللغات كلها على قدم المساواة. فإن بعضها تحيط به أحداث تاريخية أهم من بعضها الآخر, ومن وجهة نظر علم اللغة الجغرافي يجب أن نأخذ في الاعتبار تفاوت اللغات من ناحية الأهمية العملية، وكذلك تفاوت أنماطها١.
١ لا يحتاج عالم اللغة الجغرافي -على سبيل المثال- إلى الاعتذار عن توجيه قدر كبير من اهتمامه الفرنسية والصينية والروسية أكثر من الـOjibwa, والـTibetan, والـFula, مثلا. كذلك فهو يستعمل حقه حينما يصف المجموعة الهندية الأوربية بأنها ذات أهمية عملية أكثر من لغات المواطنين الأستراليين الأصليين.