للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فحين تتحول الكلمات بالتحليل الإعرابي إلى أبواب، تتضح العلاقات التي بينها؛ لأن هذه العلاقات مقررة في قواعد النحو، وكل باب من هذه الأبواب، معنى وظيفي للكلمة المعربة به، فحين نقول إن المعنى الوظيفي "لضرب"، أنها فعل ماضي، ونقصد أنها تقوم في السياق بدور الفعل الماضي، وتؤدي وظيفته النحوية الخاصة به، وحين قال النحاة قديما: إنا الإعراب فرع المعنى، كانوا في منتهى الصواب في القاعدة، وفي منتهى الخطأ في التطبيق؛ لأنهم طبقوا كلمة المعنى تطبيقا معيبا، حيث صرفوها إلى المعنى المعجمي حينا، والدلالي حينا، ولم يصرفوها إلى المعنى الوظيفي.

والحق أن الصلة وثيقة جدا بين الإعراب، وبين المعنى الوظيفي، فيكفي أن تعلم وظيفة الكملة في السياق، لتدعي أنك أعربتها إعرابًا صحيحًا، وتأتي وظيفة الكلمة من صيغتها ووضعها، لا من دلالتها على مفهومها اللغوي، ولذلك يستطيع المرء أن يعرب كلمات لا معنى لها، ولكنها مصوغة على شرط اللغة العربية، ومصروفة على غرار تراكيبها.

وإذا لم يصدق القارئ هذا الكلام، فليسمح لي بأن أجرؤ على خلق هذا النص الآتي على مثال اللغة العربية، وإن لم يكن هذا نصا عربيا، فكل كلماته هراء:

"حنكف المستعص بسقاحته في الكمظ فعنذ التران تعنيذا خسيلا، فلما اصطقف التران، وتحنكف شقله المستعص بحشله فانحكز سحيلا سحيلا، حتى خزب".

لكأني بالقارئ الآن قد بدأ في إعراب هذا النص، وكأني أسمعه يقول: حنكف فاعل ماضي، والمستعص فاعل، وبسقاحته جار ومجرور متعلق بحنكف، إلى أن يتم له الإعراب الصحيح.

ولكن مهلا! كيف يستطيع القارئ أن يعرب كلمات، ليس لها معنى في القاموس، مع أن نصها المسوق هنا لا يدل على معنى دلالي خاص؟ الجواب بسيط جدا؛ لأن هذه الكلمات الهرائية تحمل في طيها معنى وظيفيا، فالكلمة الأولى في النص تؤدي وظيفة الفعل الماضي لسببين: الأول أنها جاءت في صيغته، والثاني

<<  <   >  >>