للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتوافق ملحوظ بين المبتدأ والخبر، وبين الفعل والفاعل، وبين التابع والمتبوع، فمحمد قائم، لا قائمان، ولا قائمون، ويقوم محمد، لا يقومان ولا يقومون وقام محمد الفاضل، لا الفاضلان، ولا الفاضلون ولا الفضلاء، وقام محمد تاجر القطن، لا تاجرا القطن، ولا تجاره، وهلم جرا، وقام هو نفسه، لا نفساهما ولا أنفسهم، وهلم جرا، فإذا كان التوافق ملحوظا في الجملة الاسمية ذات المبتدأ والخبر، وفي الجملة الفعلية ذات الفعل والفاعل، وفي التابع والمتبوع، فهو ملحوظ إذًا في الجزء الأهم الأعظم من أجزاء النحو العربي.

٣- والتماسك والتوافق أثران من آثار التأثير السياقي الملحوظ في تركيب الجملة، ولقد ذكرنا العلاقات المتبادلة بين الفعل والفاعل، والمفعول في "ضرب محمد عليا"، ونحب أن نضيف هنا أن التطريز اللغوي، "أو القيم الخلافية التي تميز كل باب في السياق عن الأبواب الأخرى"، مسئول إلى حد كبير عن رفع محمد، ونصب علي، ومعنى ذلك أن القيم الخلافية بين أبواب النحو، سبب في اختلاف حركات الإعراب، فالاختلاف بين وظيفة الفاعل ووظيفة المعفول في الجملة أدى إلى رفع الأول، ونصب الثاني، ويظهر أن بعض النحاة القدماء قد فطن لهذا، وقال به. يقول ابن مضاء١: "وأما من يرى أن العرب إنما راعت المعاني، وجعلت اختلاف الألفاظ في الغالب دليلا على اختلاف المعاني، فإنه يجيز ... إلخ". ويقول في موضع آخر٢: "وتقول: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، أي لا تجمع بينهما، ولو جزم لنهاه عن الجمع والتفرقة، ولو رفع لنهاه عن أكل السمك، ووجب له شرب اللبن".

فابن مضاء هنا يجعل اختلاف الحركات لاختلاف المعاني الدلالية، ولو أنصف لجعلها لاختلاف الوظيفة النحوية التي يؤديها "تشرب" في الجملة، سواء أكانت هذه الوظيفية عطفًا، أم استئنافًا، أم غير ذلك. فاختلف الوظيفة مؤثر في الجملة إلى حد


١ الرد على النحاة ص٢٦.
٢ الرد على النحاة ص١٤٧.

<<  <   >  >>