للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبير، وذلك الاختلاف في الوظيفة هو المقصود بالتطريز اللغوي، والقيم الخلافية. وهذا في الواقع مساهمة في نقد نظرية العامل؛ لأن القيم الخلافية إذا أثرت في السياق هذا التأثير، لم يكن هناك داع لافتراض عامل، ومعمول في الجملة، ولإيضاح ذلك نقول: إن الأبواب الرئيسية في النحو ذات مواقع معينة في السياق؛ فالفعل قبل الفاعل دائما، والمبتدأ يسبق الخبر في الغالب، والإشارة تسبق المشار إليه، والموصول يسبق الصلة، والموصوف يسبق الصفة، وهلم جرا. فإذا جاء اسم منصوب؛ فنصبه على الخلاف بينه وبين الفاعل، وتقدم الخبر على المبتدأ، إنما يكون مثلا لاختلاف الوظيفة في نحو "زيد قائم" عنها في "أقائم زيد".

وإذا تأخرت الإشارة عن المشار إليه في نحو "لقاء يومكم هذا"، فللخلاف بين "يوم" في حالة الإضافة كما في المثال، وبينه في حالة اتصاله بأداة التعريف، كما في هذا اليوم، وهلم جرا، وليس القول بأثر القيم الخلافية في السياق قولا بنظرية جديدة للعامل؛ لأن القيم الخلافية لا تعمل، وإنما تُرَاعَى، وهي فروق سلبية، لا عوامل إيجابية. وهي، من ناحية أخرى، يمكن أن تنبني عليها نظرية نحوية شكلية تامة، ليس لها ما لنظرية العامل من التناقض، والحاجة إلى التأويل، والتمحك.

نخلص من ذلك إلى أن ما يجعل السياق مترابطًا، إنما هو ظواهر فيه تفرق بينه وبين نسق من الكلمات، التي لها مجرد المجاورة بلا رابط، نحو "محمد في بل قم على قبائل راكب"، فهذه كلمات متراصة ينقصها التماسك، والتوافق، والتأثير، ولو توفرت لها العناصر المذكورة، لأصبحت سياقا عربيًا لا غبار عليها.

<<  <   >  >>