للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- الزمن والجهة:

نحب أن نفرق هنا بين اصطلاحات ثلاثة، تفريقًا تقتضيه الأغراض العملية لهذا البحث؛ هذه الاصطلاحات هي الزمان، والزمن، والجهة، ونقصد بالزمان الوقت الفلسفي الذي ينبني على الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويعتبر قياسًا لكمية تجربة في الرياضة، أو الطبيعة، أو الفلسفة، ويعبر عنه بالتقويم، والإخبار عن الساعة، وتتوجه إليه النظرية المعروفة بنظرية حدّ السكين، التي تقول: إن الزمان إما ماض، أو مستقبل، ولا جود للحاضر، ويقابله في الإنجليزية كلمة "Time"، ونقصد بالزمن الوقت النحوي الذي يعبر عنه بالفعل الماضي، والمضارع، تعبيرا لا يستند إلى دلالات زمانية فلسفية، وإنما ينبني على استخدام القيم الخلافية بين الصيغ المختلفة، في الدلالة على الحقائق اللغوية المختلفة. ويقابل الزمن في الإنجليزية كلمة "Tense"، ونقصد بالجهة ما يشرح موقفًا معينا في الحدث الفعلي؛ ويكون ذلك بإضافة ما يفيد تخصيص العموم في هذا الفعل. ويقابلها في الإنلجيزية "aspect".

ليس الزمان والزمن إذا مترادفين في فهم هذا البحث؛ لأن الزمان يدخل في دائرة المقاييس، والزمن يدخل دائرة التعبيرات اللغوية، فالفرق بينهما كالفرق بين الذراع القياسي، كوحدة ذات طول معين ثابت، وبين ذراع الطفل الصغير كجزء من جسم متغير النمو، ولهذا لا يهمنا في دراسة النحو أن نعلم ساعة حدوث الزمن، ولا تاريخه، ولكن الذي يهمنا نظام زمني معين في نحو اللغة المدروسة، يقوم التطريز والنمطية، أكثر مما يقوم على المعنى الفلسفي المطلق.

والزمن النحوي نسبي اعتباري، والماضي والمضارع صيغ لا أفكار، فصيغة الماضي من نوع الماضي، ولو دلت على المستقبل، أو الحضور الفلسفيين، كما في:

"إن كنت شجاعا فواجهني بالحقيقة"، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، و"لو كان زيد يأتي لكنت أعطيه درهمًا"، و {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة} .

<<  <   >  >>