للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمضارع بصغيته مضارع، ولو دل على المضيّ الفلسفي، كما في "لم يقم زيد". ولا بد لأية لغة من اللغات من أن تستخدم الدلالات الزمنية، "ولا أقصد الزمانية"، وهذه الدلالات لا تنحصر في الأفعال فحسب، ولكنها تتعداها إلى ظروف الأزمان، التي لا تكاد تتصل اتصالا مباشرا بنظام الأزمنة في الأفعال، وكذلك يستطيع الناظر إلى الكلمات المفردة من غير الأفعال، والظروف أن يجد من بينها ما يعبر تعبيرا خاصا عن شيء يشبه الزمان، أكثر مما يشبه الزمن. لإيضاح ذلك قارن الكلمات الآتية:

جد، ابن، سابق، لاحق، خطيبة، مطلقة، مرشح، متوقع، منتظر، المأسوف عليه، المرحوم، المورث.

ولكن هذه الدلالات لا تهمنا في الدراسات النحوية؛ فلندعها لهؤلاء الذين يدرسون الاجتماع اللغوي؛ وسيجدون فيها مادة غزيرة للملاحظة.

لقد كان النحاة العرب على حق في تسميتهم المضارع مضارعًا؛ لأن هذه التسمية ذات دلالة شكلية لا زمانية، فهم يقولون: إنما سمي المضارع مضارعا لمضارعته المشتق من حيث إعرابه وشكله، ولو جرت التسمية في الماضي والأمر على هذا النمط، لخلت اصطلاحات الزمن في اللغة العربية من عدوى التفكير في الزمان، ولكان اللاحقون من النحاة أقدر على تخليص النحو من براثن الفلسفة.

ولنا أن نلاحظ هنا أن الجهة مما يمكن ملاحظته في الأسماء، والأفعال، والأدوات، وقد سبق أن مثلنا بمجموعة الأسماء ذات الدلالة على السبق أو اللحاق، وبدخول "لم" على المضارع، والوظيفة التي قامت بها هذه الأداة، غير أن الجهة ينظر إليها نحويا في الأفعال فحسب، ولكل لغة وسائلها الضخمة في التعبير عن الجهة، فالهمز، والتضعيف، وتشديد العين، وحروف الزيادة فيما زاد على الثلاثة، والإضافات الظرفية، والحال، والتمييز، تعبيرات شكلية عن الجهة في اللغة العربية، بمعنى أنها تقييد لعموم الدلالة، بما يفيد النظر إلى جهة معينة في تطبيق فهم الفعل، لاحظ اختلاف الجهة باختلاف الصيغة في نفس المادة، والزمن فيما يأتي:

<<  <   >  >>