للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه اللغة المعينة ضرورية لفهم الكلام، كما أن الكلام ضروري لفهمها.

وهي مجموعة من العلامات المختزنة في العقل الجمعي، ولا تنطق؛ لأنها ليست فردية، ويشبه دي سوسور هذه الصورة بالقاموس، الذي توجد فيه الكلمات صامتة غير منطوقة صالحة للنطق والاستعمال، وإنما تستخرج منه فرادى بحسب الحاجة إليها، أو بحسب الاختيار، وليست اللغة المعينة في عقل أي فرد أو وعيه، وإنما هي شركة بين الفرد، وبين بقية أفراد المجتمع اللغوي الذي يعيش فيه فيه، توجد في حاصل جمع عقولهم جميعا، فإذا استطعنا كما يقول دي سوسور: أن نستخرج الصور الكلامية المختزنة في عقول جميع الأفراد في مجتمع لغوي واحد، فإننا سنلمس تلك الرابطة الاجتماعية، التي تربطهم جميعا وهي ما يسميه دي سوسور اللغة المعينة، ذلك الكنز المختزن يقوم على حراسته الكلام العملي للأفراد، الذين تربط بينهم هذه الرابطة، فاللغة المعينة إذا نظام جراماطيقي يوجد تقريبا في جميع العقول، أو لنعبر عن ذلك بدقة يحسن أن نقول في عقل مجموع الأفراد؛ أو كما سميناه الوعي الجمعي.

وذلك؛ لأن اللغة المعينة لا يمكن أن تكون كاملة في ذهن أي فرد بعينه؛ بل لا تكتمل إلا في الوعي العام، ويعبر دي سوسور عن هذه المعادلة الاجتماعية بما يأتي:

١+١+١+١=١ "وهذا الواحد الأخير يشمل جميع الآحاد قبله".

ويروي دي سوسور أن هذا الوعي الجمعي، ربما كان له وجود نفسي.

ولدراسة اللغة المعينة من وجهة النظر الزمنية ناحيتان: فهي إما أن ينظر إليها نظرة تاريخية، تأخذ في اعتبارها التطور، والتحول على مر العصور، فهذه النظرة يسميها دي سوسور diachronque، وإما أن تؤخذ منها مرحلة تاريخية بعينها etat de langue لتدرس فيها نظمها الجراماطيقية، أو الدلالية دون نظر إلى التطور والتحول، وهذا ما يسميه هو Synchrorique، ولقد وضح دي سوسور هاتين الفكرتين بالاتجاهين الرأسي والأفقي على الترتيب هكذا١:


١ انظر ص١١٥ من كتابه.

<<  <   >  >>