للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تماما- فإن دراسة الأصوات، إنما تقوم على أساس فردى لا جمعي؛ وذلك أنك تختار من اللهجة، التي تريد أن تدرسها من الناحية الصواتية، متكلما من متكلمي هذه اللهجة نشأ عليها من طفولته، مع تفضيل المتكلم الذي لم يغادر المنطقة اللغوية، التي تتكلم اللهجة فيها طول حياته؛ فهذا خير من يمثلها تمثيلا صحيحا، والأفضل في ذلك أيضا أن يكون ذلك المتكلم "ولنسمه بعد ذلك مساعد البحث" أميالا يعرف القراءة، والكتابة؛ لأن للقراءة والكتابة تقاليدها التي لا تتمشى دائما مع المنهج الصحيح، فإذا كان المساعد قارئا كاتبا تدخلت معرفته بذلك في مجرى البحث، وضيعت كثيرًا من الفائدة على طالب البحث.

لقد حدث حين درست لهجتي الخاصة "لهجة الكرنك مركز أبي طشت بمديرية قنا"، لدرجة الماجستير في جامعة لندن أن اتخذت نفسي مساعدا لنفسي، حيث كنت طالب البحث، فلما سجل رسالتي للدكتوراه في دراسة أصوت لهجة عدن وتشكيلها الصوتي، حدث أن اتخذت مساعدا لي عدنيا، كان يدرس القانون في لندن، وقد كان أول عملي معه أن أستمليه بعض القصص والحكايات باللهجة العدنية، وأن أسجل بعض ذلك على إسطوانات في معمل الأصوات، بمعهد اللغات الشرقية في لندن.

وكنت إذا تم التسجيل أدرت هذه الإسطوانات جملة جملة، وربما كررت إدارة الإسطوانة للجملة الواحدة عشرين إلى ثلاثين مرة أو أكثر، حتى أحصل منها على الأثر الصوتي المرضي، فأسجله بكتابة أصواتية مضبوطة محددة الرموز. ويتم ذلك عادة بحضور المساعدة، حتى يصحح لسمعي ما قد تدغمه الإسطوانة حين سماعها.

فإذا وجدت كلمة غامضة في سماعها من الإسطوانة، طلبت إلى المساعد أن يكررها؛ فلا يزال يكررها حتى أطلب إليه أن يكف، ثم أدير هذه الكلمة بخصوصها على الإسطوانة، وأقارن بين السماعين حتى يتضح ما في الإسطوانة لأذني، ومع أن لهجة عدن ولهجتي الخاصة بينهما وضوح متبادل -لأنهما، كما يعلم القارئ، ينتميان إلى لغة واحدة هي اللغة العربية- لم يكن من السهل علي في بعض الحالات أن أحدد مفاصل الكلمات، فأعلم أين تبدأ الكلمة وأين تنتهي، ذلك؛ لأن تحديد الكلمات في أية لهجة غير معتادة بالنسبة للباحث، إنما يقوم على أسس معقدة أصواتية، وتشكيلية وصرفية ونحوية، وعلى عوامل أخرى سنذكرها حين الكلام عن تعريف الكلمة.

<<  <   >  >>