وهذا مقام عال، حتى إنهم يرون ربهم عز وجل وهم على أرائكهم وسررهم كما يرى القمرفي الدنيا في مثل هذه الأحوال، يرون الله تعالى أيضاً في المجمع الأعم الأشمل، وهو في مثل أيام الجمع، حَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي وادٍ أَفْيَحَ- أي متسع- من مسك أبيض، ويجلسون فيه على قدر منازلهم، فمنهم من يجلسى عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أنواع الجواهر وغيرها، ثم تفاض عليهم الخلع، وتوضع بين أيديهم الموائد بأنواع الأطعمة والأشربة، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ثُمَّ يُطَيَّبُونَ بأنواع الطيب كذلك، ويباشرون من أنواع الإكرام ما لم يخطر في بال أحد قبل ذلك، ثم يتجلى لهم الحق جل جلاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيُخَاطِبُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، كَمَا دَلَّتْ على ذلك الأحاديث، كما سيأتي إيرادها قريباً إن شاء الله تعالى.
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي النِّسَاءِ: هل يرين الله عز وجل كما يراه الرجال فقيل: لا، لأنهن مقصورات في الخيام، وقيل: بلى، لأنه لا مانع من رؤيته تعالى في الخيام وغيرها: وقد قال تَعَالَى: {إنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيم عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرونَ} . [٨٣- المطففين- ٢٢-٢٣] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَرَوْنَ هذا القمر، لا تمارون في رؤيته، فإن استطعتم فداوموا على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".