يُذَادُ عَنْهُ أَقْوَامٌ يُقَالُ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ لَمْ يزالوا يرتدون على أعقابهم مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا فَالْكَافِرُ لَا يُجَاوِزُ الصِّرَاطَ، بَلْ يُكَبُّ عَلَى وَجْهِهِ في النار قبل أن يجاوزه، وإن كانوا عصاة فهم مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَبْعُدُ حَجْبُهُمْ عَنِ الْحَوْضِ لَاسِيَّمَا وعليهم سيما الوضوء، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَعْرِفُكُمْ غُرًّا مُحَجَّلِينَ من آثار الوضوء".
"ثم من جاوز لَا يَكُونُ إِلَّا نَاجِيًا مُسْلِمًا فَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْجَبُ عَنِ الْحَوْضِ فَالْأَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: "أَنَا فَاعِلٌ" قَالَ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: "اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ" قلت: فإن لم ألقك؟ قال: "فاطلبني عند المنبر"، قال: فإن لم ألقك؟ قال: "فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَدَلِ بْنِ الْمُحَبَّرِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ كِلَاهُمَا عَنْ حَرْبِ بْنِ ميمون بن أَبِي الْخَطَّابِ الْأَنْصَارِيِّ الْبَصْرِيِّ، مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَعَمْرُو بْنُ علي الغلاس وقوفاً بينه وبين حرب بن ميمون بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ أَيْضًا صَاحِبِ الأدعية وَضَعَّفَا هَذَا، وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَحَكَى عن سليمان بن حرب أنه قال: هَذَا أَكْذَبَ الْخَلْقِ وَأَنْكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ ومسلم جعلهما هذين حديثاً واحداً وقال: شيخنا الْمِزِّيُّ جَمَعَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ واحد، وهو الصحيح. قُلْتُ: وَقَدْ حَرَّرْتُ هَذَا فِي التَّكْمِيلِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ أَيْضًا، وَهَذَا لَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يكون ذَلِكَ حَوْضًا ثَانِيًا لَا يُذَادُ عَنْهُ أَحَدٌ، والله سبحانه وتعالى أعلم.