للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقد وصف الله عز وجل خَمْرَ الْجَنَّةِ بِصِفَاتٍ جَمِيلَةٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَتْ فِي خمور الدنيا، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{فِيهَا عَيْن جَارِيَةٌ} . [٨٨- الغاشية- ١٢] .

وكما قال الله تعالى:

{فِيهَا أنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْر آسِن، وَأنْهِاز مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأنْهَارٌ مِنْ عَسَل مُصَفى} . [٤٧- محمد- ١٥] .

فهذه الخمرة أنهار جارية، مستمدة من بحار كبار هناك، ومن عيون تنبع من تحت كثبان المسك، ومما يشاء الله عز وجل، وليست بأرجل الرجال فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ، لا كما توصف به خمرة الدنيا من كراهة المطعم، وَسُوءِ الْفِعْلِ فِي الْعَقْلِ، وَمَغْصِ الْبَطْنِ، وَصُدَاعِ الرأس وقد نزهها تعالى عن ذلك في الجنة فقال تَعَالَى:

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأس مِن مَّعِين بَيْضَاء} . [٣٧- الصافات- ٤٥] .

أي حسنة المنظر. {لذّةٍ لِلشَّارِبِينَ طَيبة الطعم لاَ فِيهَا غَول} وَهُوَ وجع البطن: {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفونَ} أَيْ لَا تُذْهِبُ عُقُولَهُمْ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ من الخمر: إنما هو الشدة المطربة، وهي الحالة البهجة التي يحصل بها السرور للنفس، وهذا حاصل في خمر الجنة، فأما إذهاب العقل، بحيث يبقى شاربها كالحيوان أو الجماد، فهذا نقص، إنما ينشأ من خَمْرِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا خَمْرُ الْجَنَّةِ فَلَا تُحْدِثُ هذا، إنما يحصل عنها السرور والابتهاج ولهذا قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>