للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا١

ومن ثم فإن الكلمة إنما تعني الخفة والأنفة والحمية والمفاخرة، وهي أمور أوضح ما كانت في حياة العرب، قبل أن تتهذب نفوسهم بما دعا إليه الإسلام من مبادئ خلقية سامية، ومثل عليا وفضائل، ومن ثم فقد سمي العصر "بالجاهلية"، ويقابل هذه المعاني هدوء النفس والتواضع، والاعتداد بالعمل الصالح، لا بالنسب، وهي كلها نزعة سلام٢.

ومن هنا رأينا الإمام الطبري يفسر قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} ٣ بأن عباد الله هم الذين يمشون على الأرض بالحلم، لا يجهلون على من جهل عليهم٤، ومن ثم فقد جاء في "حديث الإفك"٥، "ولكن اجتهلته الحمية"، أي حملته الأنفة والغضب على الجهل، وفي الحديث الشريف أن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لأبي ذر -وقد عير رجلا بأمه: "إنك امرؤ فيك جاهلية" أي فيك روح الجاهلية٦.


١ نهاية الأرب ١/ ١٦.
٢ أحمد أمين: فجر الإسلام ص٦٩-٧٠،
وكذا R.A. Nicholson, A Literary History Of The Arabs, ١٩٦٢, P.٣٠
وكذا El, I. P.٩٩٩
٣ سورة الفرقان: آية ٦٣.
٤ تفسير الطبري ١٩/ ٣٢-٣٥ "طبعة الحلبي - القاهرة ١٩٥٤".
٥ انظر عن حديث الإفك: سورة النور: آية ١١-٢٠، وانظر: تفسير روح المعاني ١٨/ ١١١-١٢٥، تفسير الفخر الرازي ٢٣/ ١٧٢-١٨٤، تفسير الطبرسي ١٨/ ١٨-٢٥، تفسير الطبري ١٨/ ٨٦-١٠٠، تاريخ الطبري ٢/ ٦١٠-٦١٩، ابن الأثير ٢/ ١٩٥-١٩٩، تفسير البيضاوي ٢/ ١١٩-١٢١، تاريخ الخميس ص٥٣٤-٥٣٨، ابن تيمية: تفسير سورة النور، تحقيق صلاح عزام "دار الشعب، القاهرة ١٩٧٢"، كامل سلامة الدقس منهج سورة النور في إصلاح النفس والمجتمع، القاهرة ١٩٧٤ ص١٣٨-١٦٨، محمد حسين هيكل: حياة محمد ص٣٦٦-٣٧٠، محمد رضا: محمد رسول الله، بيروت ١٩٧٥ ص٢٢٣-٢٢٧، ابن كثير: البداية والنهاية ٤/ ١٦٠-١٦٤، ابن هشام: سيرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ٢/ ٢٢٠-٢٢٤.
٦ رواه الشيخان وأبو داود والترمذي، وانظر: تفسير البيضاوي ٢/ ٢٤٥، تفسير روح المعاني ٢٢/ ٨-٩، فتاوى ابن تيمية ١١/ ١٧٤، أحمد أمين: فجر الإسلام ص٦٩، نهاية الأرب ١/ ١٥-١٨، ثم قارن: تفسير الطبري ٢٢/ ٥.

<<  <   >  >>