بقيت كلمة أخيرة تتصل بالفترة الزمنية التي تعالجها هذه الدراسة١، ذلك أننا نحن الباحثين في "تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم" قد اعتدنا أن نتوقف في دراستنا عند بداية عصر الإسكندر المقدوني "٣٥٦-٣٢٣ق. م" بسبب التغيرات الحضارية والسياسية التي حدثت في الشرق الأدنى القديم منذ تلك الفترة، غير أن الأمر جد مختلف هنا في بلاد العرب، فالإسكندر المقدوني -وكذا خلفاؤه من الأغارقة، فضلا عن الرومان من بعدهم- لم يكتب لهم نجحًا بعيد المدى أو قصيره في السيطرة على جزيرة العرب، ومن ثم فقد بقي هذا الجزء العزيز من العالم العربي القديم، بعيدًا عن قبضة اليونان والرومان، رغم المحاولات المتكررة التي بذلها هؤلاء وأولئك لانضواء الجزيرة العربية تحت لواء مقدونيا أو روما أو بيزنطية، كما أن الحضارة اليونانية -والرومانية من بعدها- وإن كتب لها بعض النجح في أطراف الجزيرة العربية، فقد فشلت تمامًا في أن تنتشر بين ربوعها، هذا فضلا عن أن العرب القدامى إنما قد احتفظوا بلغتهم العربية -اللغة السامية الأم- بعيدًا عن سيطرة اللغات الهندو-أوربية، حتى جاء الإسلام الحنيف، فكانت لغة القرآن، ورسول الحضارة الإسلامية إلى البشرية جمعاء.
ومن ثم فالرأي عندي أن التاريخ العربي القديم، إنما يبدأ منذ عصور ما قبل التاريخ، وينتهي في بداية القرن السابع الميلادي حيث يبدأ التاريخ الإسلامي، يوم أهدت مكة إلى الدنيا كلها أشرف الخلق جميعًا، مولانا وسيدنا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أن يمضي حين من الدهر، حتى يسبغ الله فضله على الدنيا بأسرها، فينزل الوحي بالقرآن الكريم.
وهناك، وفي مكة المكرمة، وفي بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبدأ الدعوة إلى الإسلام، دين التوحيد المطلق، ومن هناك -من هذه الأرض الطيبة، من الحجاز الشريف- تنتشر راية الإسلام إلى جميع أنحاء المعمورة، تدعوا إلى التوحيد والحب والعدل والإخاء والمساواة، وكل ما هو جميل ونبيل.
وقبل ذلك -وفي حياة الرسول الأعظم، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- تقوم في الجزيرة العربية -ولأول مرة في تاريخ هذه الدنيا- بفضل الله، وبهداية رسول
١ تمثل هذه الدراسة "الجزء السادس" من سلسلة دراسات يصدرها المؤلف في التاريخ القديم تحت عنوان "دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم".