للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى نظر؛ لأسباب منها "أولًا" أن طيبة كانت وقت ظهور الإسلام، قد ودعت أمجادها التليدة، يوم أن كانت عاصمة للإمبراطورية المصرية لمئات السنين، ومنها "ثانيًا" أننا حتى لو افترضنا أن المسلمين كانوا يعرفون شيئا عن المدن المصرية القديمة الكبرى في تلك الفترة، بسبب العلاقات بين مصر وبلاد العرب، والتي بدأت منذ فترة مبكرة في التاريخ، واستمرت حتى الفتح العربي لمصر "عام ٢٠هـ -٦٤٠م"١.

فإن طيبة إنما تقع في منطقة نائية هناك في الصعيد الأقصى، وأن القادمين من بلاد العرب ينتظر أن يكونوا على معرفة بالإسكندرية، عاصمة مصر وقت ذاك، فضلا عن مدن الدلتا القريبة من سيناء -حلقة الاتصال بين مصر وبلاد العرب- ثم إن اسم طيبة نفسه قد لا يشجع على القول بأن المسلمين قد أخذوه عن العاصمة المصرية القديمة، فهو اسم وثني يرتبط بالإله آمون على رأي، ومأخوذ عن اسم المدينة اليونانية "طيبة" على رأي آخر.

وأيا ما كان الأمر، فلقد كثرت أسماء المدينة المنورة في العصر الإسلامي، حتى بلغت عشرة أسماء على رأي، وأحد عشر اسما على رأي آخر، وتسعة وعشرين على رأي ثالث، وأربعة وتسعين على رأي رابع، وإن كان أهمها جميعًا: المدينة ويثرب وطيبة وطابة والعاصمة والقاصمة والجدية والمحبوبة والمؤمنة والمباركة والمحفوظة والمختارة والجابرة والعذراء والغراء والبارة والمقدسة والناجية وذات الحرار ومدخل صدق وقرية الأنصار وسيدة البلدان والخيرة وأرض الهجرة ودار


= طيبة فربما كان مصري الأصل، ويتكون من "غبه" أحد أماكن عبادة آمون، ومن أداة التعريف "تي" بحيث يصبح الاسم كله "تيبه" "طيبة"، ولما جاء الإغريق إلى مصر لم يجدوا مشقة في الملاءمة بين ذلك الاسم وبين اسم مدينتهم المعروفة "طيبة"، هذا وقد اشتهرت المدينة بعدة أسماء منها "نو آمون" أي مدينة آمون و "المدينة" فقط، و "المدينة الجنوبية"، تمييزا لها عن "منف" التي تقع على مقربة من القاهرة الحالية، و "سيدة المدائن"، ثم خلع عليها الإغريق اسم "ديوس بوليس مجنا" "مدينة الله الكبرى"، ثم أطلق عليها الكتاب القدامى من أمثال ديودور وسترابو وبليني واصطيفانوس البيزنطي اسم "طيبة ذات المائة باب"، وأما اسمها الحالي "الأقصر" "جمع تكسير لكلمة قصر" فقد أطلقه العرب عليها حين بهرتهم عمائرها الكبرى فعدوها قصورا، هذا وقد كانت طيبة عاصمة لمصر في أغلب عصور ازدهار الحضارة المصرية "انظر: أحمد بدوي: في موكب الشمس ٢/ ٣١٧-٣٣٥، إرمياء ٤٦: ٢٥، وكذا
J. BAIKI, EGYPT. ANTIQ. IN THE NILE VALLEY, P.٣٤٢.F
١ انظر عن هذه العلاقات مقالنا "العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة" -مجلة كلية اللغة العربية- العدد السادس - الرياض ١٩٧٦.

<<  <   >  >>