للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانوا قد تركوا منذ أمد طويل الانتساب إلى قبائلهم، وأصبحوا يعرفون بأسماء القرى والأقاليم التي جاءوا منها، فكان يقال فلان الأوشليمي أو فلان الحبروني.. وهكذا، ومن ثم فالطريقة المثلى -فيما يرى إسرائيل ولفنسون- إنما هي النظر في الأخلاق والتقاليد، واتجاه الأعمال والأفكار، وهنا فسوف نجد أن يهود بلاد العرب يهودا أكثر منهم عربًا، هذا إلى جانب أن فكرة إقامة الحصون والآطام على قمم الجبال في شمال بلاد العرب، إنما أتى اليهود بها من فلسطين، حيث تكثر هناك الحصون المنيعة في الجبال١.

أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم إنما وجه الخطاب إلى اليهود بتعبير "بني إسرائيل"، ونعي عليهم مسلك اليهود الأقدمين مع موسى والأنبياء من بعده، وما كان منهم من تعجيز وإحراج وكفر وتكذيب وغدر، ونقض للشرائع وتحريف للكلام عن مواضعه، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وذلك في صدد التنديد بموقفهم من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وفي كثير من الآيات جعل اليهود المعاصرين والقدامى موضوع خطاب وسياق وسلسلة واحدة، حيث يوجه الخطاب إلى بني إسرائيل أو إلى اليهود بصيغة المخاطب القريب، فيقص ما كان من الأقدمين وما كان من المعاصرين بأسلوب يرجح أن المقصود به تقرير الصلة النسبية بين هؤلاء وأولئك، وربط ما بدا من أخلاق المعاصرين ومواقفهم بما كان من أخلاق القدماء، كأن الجميع يصدرون عن جبلة واحدة وأخلاق متوارثة، وإذن: فتوجيه الخطاب في القرآن الكريم إلى يهود يثرب بـ"بني إسرائيل" يسوغ الترجيح، بل الجزم، بأن اليهود الذين كانوا في الحجاز، بصفة عامة، هم نازحون وأنهم إسرائيليون، وأنهم ليسوا قبائل عربية تهودت، وإن كان هناك عرب تهودوا، فإنهم لم يكونوا جماعة محسوسة، وليسوا إلا أفرادا٢.

على أنه يجب ألا يفهم من هذا كله، أن كل يهود بلاد العرب من أصل يهودي، فهناك الكثير من العرب المتهودين، ولا سيما القبائل اليهودية المسماة بأسماء عربية أصيلة، لها صلة بالوثنية، مما يدل على أنها إنما كانت وثنية قبل أن تتهود، وهناك الكثير من البطون العربية التي تهودت٣، فقد تهود قوم من الأوس والخزرج بعد


١ إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص١٥-١٦.
٢ عبد الفتاح شحاته: تاريخ الأمة العربية قبل ظهور الإسلام -الجزء الثاني -ص٢٧٩-٢٨٠.
٣ T. Noldeke, Op. Cit. - P.٥٢
وكذا D.S. Margoliouth, Op. Cit., P.٦٠

<<  <   >  >>