للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الواحد يتصل بقصة الفيطون، وعرائس يثرب العربيات، والآخر يتصل بغلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب.

وقد اختلفت الآراء في الرواية الأولى، فذهبت جمهرة من المؤرخين على رفضها، فالدكتور إسرائيل ولفنسون يذهب إلى أن القصة ملفقة، معتمدًا في ذلك على أدلة، منها "أولًا" أن أصحابها لم يكن لهم إلمام كاف بحياة العرب في الجاهلية، بل كانوا يعتبرونهم متوحشين همجيين لا يعرفون من النظم الاجتماعية شيئًا، ولا يفهمون من الآداب قليلا ولا كثيرًا، ولا ينقادون إلا لما يدعو إليه الخرق والسفاهة، ولا شك أن قولا كهذا ليس إلا طعنًا فاحشًا في قبائل العرب في الجاهلية، وإنكارًا شنيعًا لما هو معروف عنهم من الأنفة والغيرة وإباء الضيم والشجاعة والبسالة، إلى حد التضحية بكل شيء في سبيل العرض وحفظ الشرف والكرامة.

ومنها "ثانيًا" أن يهود الحجاز إنما كانوا أصحاب دين سماوي يأمر بالمعروف وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وليس من المعقول أن يرتكب ملك يهودي جريمة منكرة كهذه تناقض روح التوراة وتخالف الإيمان بإله موسى، دون أن يجد مقاومة عنيفة وإنكارًا شديدًا من شعبه وأبناء جلدته، ومنها "ثالثًا" أنه لم يوجد في المدينة ملوك من يهود، ومنها "رابعًا" أن الطبري يذكر قصة تشبه هذه عن طسم وجديس.

ومنها "خامسًا" أننا لا نجد صلة بين هذه القصة وبين "يوم بعاث" الذي جاء بعدها، بل على العكس من ذلك، فإننا نستطيع أن نستنتج- اعتمادًا على الأخبار التي وصلتنا عن يوم بعاث- أن اليهود كانوا متمتعين بجميع حقوقهم السياسية والاجتماعية، وكانت مزارعهم وأموالهم وآطامهم كاملة غير منقوصة.

ويخلص الدكتور إسرائيل ولفنسون من ذلك كله إلى أن الباعث على اختلاق هذه القصة وتلفيقها، إنما هو محاولة إخفاء الحقيقة في حادثة غدر ابن عجلان، بدليل أن ابن هشام، والواقدي، وصاحب الأغاني، قدموا أسبابًا أخرى -غير حادث الفطيون- لتغير الأحوال بين العرب واليهود في المدينة، ومن ثم فالقصة -في رأيه- لا تعدو أن تكون واحدة من الخرافات عند أمم الشرق في قصصهم

<<  <   >  >>