للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتواريخهم١.

وذهبت قلة من المؤرخين -ومنهم الدكتور عبد الفتاح شحاتة- إلى أن القصة حقيقية، وأن حكم الدكتور ولفنسون عليها بالخرافة والتلفيق ليس عجبًا، فاسمه يغني عن التعريف به، وإنما العجيب حقًّا محاولته إخفاء التاريخية من أخلاق اليهود والعرب، ثم يقدم أدلة على صحة رأيه، منها "أولًا" أن العرب من أوس وخزرج لم يسكتوا على هتك الأعراض وثلم الشرف، ودبروا الخطة للتخلص من الفيطون وقتلوه دفاعًا عن شرفهم، وإذا كانوا قد رضوا بالسكوت على العار حينًا من الدهر، فإنما كان ذلك تحت جبروت الملك وبطش السلطان، ويشهد لذلك أن مالكًا لما هم بقتل الملك لم يتمكن من ذلك علانية، بل تنكر في زي النساء، ومنها "ثانيًا" أن كون دين اليهود ينهي عن الفحشاء والمنكر، لا يمنع من أن يخرج على تعاليم الدين ومبادئ الأخلاق الفاضلة من يتبع هواه ويركب رأسه، ثم هل كل من يعتنق دينًا ينهى عن الفحشاء منزه عن الإثم والخطأ؟

ومنها "ثالثًا" أن رواية الطبري وغيره عن أمثال هذه القصص ليست دليلا على أنها من الأساطير، وقد تكون من العادات التي شاعت في تلك العصور الأولى عند الملوك والرؤساء، ثم يتساءل الدكتور شحاتة بعد ذلك عن الدوافع التي دعت الطبري وغيره إلى اختلاق قصة الفيطون؟ ثم يجيب بعد ذلك عن تساؤله: بأنه إذا كان المراد منها إخفاء غدر مالك بجيرانه اليهود، كما يزعم ولفنسون، فذلك أمر بعيد، فمالك ليس قديسًا من القديسين، بل رجل جاهلي، الظلم عنده قوة، وسفك الدماء بطولة وشجاعة٢.

ولعل أفضل ما نفعله في موقفنا هذا أن نناقش حجج الطرفين -قبل أن ندلي بدلونا في القصة- حتى نتبين في كل منها موقف القوة والضعف، فضلا عن جانب الخطأ والصواب، بخاصة وأن الطرفين يمثلان اتجاهين مختلفين، لا التقاء بينهما، فالأول إسرائيلي يهودي، والثاني عربي مسلم.


١ إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب - القاهرة ١٩٢٧ - ص٥٦-٦١.
٢ عبد الفتاح شحاتة: تاريخ الأمة العربية قبل ظهور الإسلام -الجزء الثاني - القاهرة ١٩٦٠، ص٢٨٦-٢٩٢.

<<  <   >  >>