للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء بعد المنذر ولده "عمرو بن هند" "٥٥٤-٦٩م" من زوجه "هند بنت عمرو بن حجر آكل المرار"، وهو -فيما يرى الأخباريون- "مضرط الحجارة" كناية عن قوة ملكه وشدة بأسه، وهو "المحرق" لأنه حرق بني تميم، أو حرق نخل اليمامة، وقد كان عاتيا جبارًا، لا يبتسم ولا يضحك، ومن ثم فقد كانت العرب تهابه وتخشاه١.

وقد حذا عمرو حذو غيره من ملوك لخم وجفنه، الذين أدركوا أن الشعراء من معاصريهم هم زعماء الرأي العام بين العرب، يديرون دفة الدعاية كيفما شاءوا، فلم يأل جهدا في إكرامهم وغمرهم بفضله، كما فعل سواه من الملوك، طمعا في اجتذاب العرب إليه، وهكذا أصبحت الحيرة في عصره موئل الشعراء يأتون إليه من شبه الجزيرة العربية ينشدونه شعرهم، وينالون جوائزه، ويعقدون المناظرات في حضرته، وعلى رأسهم ثلاثة من أصحاب المعلقات السبع٢ -طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم٣.

ويبدو أن "عمر بن هند" هذا، كان شديد الغرور لدرجة جعلته يعتقد أنه ليس هناك من بين أمراء العرب من يستنكف أن يخدمه، أو يأبى أن يسعى إلى مرضاته، أيا كانت الوسيلة، وأن هذا الزعم الكذوب إنما كان سببا في أن يجندله "عمرو بن كلثوم" بسيفه في رواية تقول: إنه قال لجلسائه ذات يوم: هل تعرفون أحدا من العرب من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي، فقالوا: ما نعرفه إلا أن يكون عمرو بن كلثوم التغلبي، فإن أمه "ليلى" بنت "مهلهل بن ربيعة، وعمها "كليب بن وائل"، وزوجها "كلثوم"، وولدها "عمرو"، وهكذا أمر "عمرو بن هند" أن يطلب من "عمرو بن كلثوم"، أن يحضر إلى قصره، ثم أمر أمه "هند" أن تصرف الخدم بعد الفراغ من الطعام، ثم تطلب من "ليلى" أن تناولها الشيء بعد الشيء، وتفعل "هند" ما أمر به ابنها الملك، غير أن "ليلى" سرعان


١ تاريخ الطبري ٢/ ١٠٤، المعارف ص٢٨٣، المقدسي ٣/ ٢٠٣، الميداني ٢/ ١٤٣، المحبر ص٣٥٩، ابن خلدون ٢/ ٢٦٥، أيام العرب في الجاهلية ص١٠٠-١٠٦، حمزة الأصفهاني ص٧٢.
٢ يروي الأخباريون أن العرب كانوا إذا ما عمل أحدهم قصيدة عرضها على قريش، فإن أجازوها علقوها على الكعبة تعظيما لشأنها، فاجتمع من ذلك المعلقات السبع أو العشر المشهورة "انظر: ابن كثير ٢/ ٢١٨-٢٢٠، صحيح الأخبار ١/ ١٦-١٤".
٣ P.K. Hitti, Op. Cit., P.٨٣

<<  <   >  >>