للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهب أئمة الكوفة، فإنه لا يُفسَّق قطعًا بسبب هذا التأوّل، مع أنه عند جمهور الفقهاء مما يُفسَّق به غير المتأوّل؛ لأنه عندهم قد شرب الخمر.

والأصل في كل مبتدع أنه متأوّل، حتى يَثْبُتَ بيقينٍ أو بغلبةِ ظنٍّ أنه مُعاند، من خلال مناقشته وإقامة الحجة عليه، فعندها:

- قد يُفسَّق: إن غلب على الظن عِنادُه عند الناقد.

- وقد يُكفَّر: إن قام الدليل القاطع على نَقْضِه الشهادتين ببدعته (١).

هذا هو منهج النُّقاد في زمن الرواية في التمييز بين المبتدع المتأوّل من غير المتأوّل (المعاند).

ولصعوبة ثُبوت العِناد: كان من النادر أن يُطعَنَ في الرُّواة الطعنَ الموجِبَ للردِّ بمجرَّدِ البدعة.

أما كيف يُميِّزُ العلماءُ المتأخرون بين المبتدع المتأوِّلِ والمبتدع المعاند:

- فإمّا بالتنصيص على عناده من ناقدٍ مُتقدم، ممن عنده أهلية الاطّلاع على تأوّل المبتدع أو عناده.

- وإما بأن نَجِدَ الراوي الموصوفَ بالبدعة قد وَثّقَهُ الإمامُ نفسُه الذي وصفه بها، أو وَثّقَهُ إمامٌ غيرُه مع شهرته بالبدعة أو مع بُعد خفاء كونه مبتدعا على الناقد الموثِّق. لأن توثيقهم له رغم تبديعه: قد دلّنا على عدم عناده، وأنه متأوّل؛ وإلا ما وثّقوه.

[وبهذا يتضح أن حكم رواية المبتدع المسلم المتأوِّل (غير المعاند): هو القبول؛ إلا أن يروي حديثًا منكرًا يؤيِّد البدعة.

هذا الحكم المتفق عليه بين المحدّثين وأئمة الاجتهاد من الفقهاء، ولا يصح وقوعُ اختلافٍ بينهم في ذلك، وأن المذاهب المحكيّة التي تذكر الاختلاف لا تنطبق على واقع موقف العلماء من رواية المبتدع، وقد حكى الإجماع على ذلك الإمام الشافعي والخطيب البغدادي.] [*]

* * *


(١) على ما بينتُه في كتابي (تكفير أهل الشهادتين).

[*] تعليق الشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وهو في أصل النسخة الإلكترونية التي وصلتنا

<<  <   >  >>